ترك برس
يرى الخبير والمحلل السياسي التركي قدير أوستون، أن إيران لا تتردد في لعب دورها في اللعبة التي تديرها إسرائيل في المنطقة، وأن الولايات المتحدة ستواجه صعوبة في إدارة الحرب الإقليمية المتصاعدة بالشرق الأوسط.
وقال أوستون في مقال بصحيفة يني شفق إن الهجوم الذي استهدف القاعدة الأمريكية في الأردن، وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين يُنذر بتصاعد حدة الصراع الإقليمي، والذي يعد حاليا صراعاً منخفض الحدة.
وبحسب ما ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية، فقد تعرضت القاعدة الأمريكية في الأردن إلى 165 هجومًا منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن لم يسفر أي منها عن وقوع ضحايا بشرية قبل الهجوم الأخير.
وأعلنت منظمة "المقاومة الإسلامية" كتائب حزب الله في العراق مسؤوليتها عن الهجوم الذي تم تنفيذه بطائرة مسيرة، وقالت إنه جاء ردا على هجمات إسرائيل على قطاع غزة.
وبحسب أوستون، يمثل هذا الهجوم، من حيث طريقة تنفيذه ومكان وقوعه ونتائجه، مرحلة جديدة في الصراع الإقليمي. ومن المرجح أن يؤدي استمرار العمليات الإسرائيلية في غزة، وتصاعد الهجمات الإسرائيلية ضد حزب الله، إلى تصعيد الهجمات ضد القوات الأمريكية في المنطقة، مما قد يؤدي إلى تصعيد الصراع الإقليمي بشكل أكبر.
وأضاف: تكشف حقيقة عدم اكتشاف أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية للهجوم بالطائرة المسيرة، عن تطور خطير في قدرات الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، على استخدام أساليب منخفضة التكلفة ومتطورة للغاية.
فقد نجحت الطائرة المسيرة في تنفيذ هجومها دون أن تُكتشف، وذلك بفضل مجموعة من العوامل، منها أن الطائرة كانت تتبع مسيرة أمريكية، فلم تتعرف عليها رادارات الدفاع الجوي كعدو. كما أن تحليق الطائرة على ارتفاع منخفض جداً مكنها من الإفلات من اعتراض أنظمة الدفاع الجوي.
لقد كشف الهجوم عن ضعف القوات الأمريكية أمام هذا النوع من العمليات منخفضة التكلفة، وهذا يعني أن الميليشيات المسلحة الموالية لإيران قد تكثف استخدامها للأساليب غير التقليدية.
تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن برد قوي على الهجوم الذي استهدف القاعدة الأمريكية في الأردن، مؤكداً أنهم سيحددون متى وأين سيكون الرد. ويحمل الهجوم رسالة واضحة مفادها أن الميليشيات الموالية لإيران أصبحت قادرة على الوصول إلى جميع القوات الأمريكية في المنطقة. وفق الكاتب التركي.
وقد كانت هذه الميليشيات تشن هجمات على القوات الأمريكية في العراق وسوريا منذ عدة أشهر، لكنها لم تسفر عن أي خسائر بشرية باستثناء إصابة واحدة خطيرة. ولهذا السبب، كانت ردود الولايات المتحدة على هذه الهجمات أقل حدة، لكن بعد الهجوم الأردني، تعرض بايدن لضغوط متزايدة للرد بشكل أكثر صرامة.
ولم يقتصر الهجوم على المجال الأمني والعسكري بل تحول إلى مادة دسمة للصراع السياسي في أمريكا، التي تدخل عامًا انتخابيًا. فقد حمّّل الرئيس السابق دونالد ترامب الرئيس الحالي جو بايدن مسؤولية الهجوم، وأشار إلى صفقة تبادل الأسرى التي أبرمتها إدارة بايدن مع إيران، مدعياً أن إدارة بايدن شجعت إيران بتقديمها مليارات الدولارات لها، واستخدم تصريحات مبالغا فيها مثل "نحن على أعتاب الحرب العالمية الثالثة".
ودعا السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إلى شن ضربات مباشرة على إيران. وعلى الرغم من تأكيد إدارة بايدن لإيران أنها لا ترغب في اندلاع حرب إقليمية منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن استمرار الهجمات التي تشنها الميليشيات الموالية لإيران على القوات الأمريكية في المنطقة، يضع إدارة بايدن تحت ضغوط متزايدة لاتخاذ رد قوي.
وتابع أوستون: يبدو أن خطة نتنياهو لتوسيع الحرب في غزة لتشمل حزب الله والمجموعات الموالية لإيران، وإدخال الولايات المتحدة في حرب إقليمية مع إيران، قد نجحت إلى حد ما. فإضافة الأردن إلى قائمة الهجمات التي شنتها الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا واليمن، تشير إلى أن القوات الأمريكية بالفعل في خضم صراع إقليمي غير مباشر مع إيران.
وعلى الرغم من أن إدارة بايدن تصر على إرسال رسائل إلى إيران بأنها لا ترغب في خوض حرب مباشرة، إلا أن العمليات الإسرائيلية تبدو أكثر فعالية في تحديد ديناميات الحرب الإقليمية من خيارات واشنطن.
وفي سياق تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، تواجه إدارة بايدن مخاطر فقدان السيطرة على التصعيد في الصدام المُدار مع إيران، حتى وإن لم تكن ترغب في ذلك. إن رفض الإدارة بشكل متكرر دعوة إسرائيل إلى وقف إطلاق النار في غزة يؤدي إلى تحملها تكاليف سياسية داخلية، بالإضافة إلى الخسائر العسكرية في الشرق الأوسط.
ولكي تكون سياسة تجنب الصراع مع إيران فعالة، يحتاج بايدن إلى الضغط على نتنياهو. أما إذا لم يتحقق ذلك، فسوف تستمر حكومة نتنياهو في تأجيج الحرب الإقليمية، معتقدة أنها لن تجد مثل هذه الفرصة مرة أخرى.
وأما إيران، فلا تتردد في لعب دورها في هذه اللعبة التي تديرها إسرائيل، لأن زيادة العنف الذي تمارسه الميليشيات الشيعية يؤدي إلى تصعيد السياسة الأمريكية وجعلها أكثر صرامة.
ستواجه إدارة بايدن صعوبة في إدارة الحرب الإقليمية المتصاعدة بشكل متزايد مع إيران في عام الانتخابات. ففي ظل ترجيحات إسرائيل وإيران المسيطرة على ديناميكيات الحرب، تواجه واشنطن معضلة صعبة. فمن جهة لا تستطيع إدارة بايدن ممارسة ضغوط كافية على إسرائيل لتغيير سياستها، ومن جهة أخرى لا يمكنها تحمل تكلفة الرد على إيران بطريقة قد تخرج الصراع الإقليمي عن السيطرة.
سيرغب بايدن في التخلص من مظهر العجز أمام الهجمات منخفضة التكلفة التي تشنها وكلاء إيران والتي تؤدي إلى إلحاق خسائر بالقوات الأمريكية، وارتفاع تكاليف التجارة في البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين. وهذا يترك إدارة بايدن أمام خياران أساسيان: إما رد عسكري مكلف وقوي بما يكفي لردع هذه القوى، أو تطوير استراتيجية سياسية تبطل اللعبة التي يلعبها نتنياهو. وبحسب المشهد الحالي يبدو أن بايدن يفضل البقاء بين هذين الخيارين السياسيين بدلاً من اتخاذ خطوة لتغيير قواعد اللعبة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!