
د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس
اتخذ الأمير عبدالقادر الجزائري في كل مقاطعة داراً للشورى لبحث الأمور الهامة في الدولة، وجعل انتخاب أعضاء هذه المجالس -مجالس الشورى- من قبل النّواب الذين كانوا يُدعون بالخلفاء، وربط هذه المجالس بالمجلس الأعلى للبلاد المؤلف من أحد عشر عالماً وبمجالس الاستئناف، وأما العلماء الأحد عشر، فمنهم السادة: أحمد المحفوظي، وأحمد بن طاهر بن الشيخ المشرفي، ومحمد بن مختار الورغي، ومختار بن مكي الحاج، وعبد القادر بن روكس، وإبراهيم بن القاضي، وأحمد بن الهاشمي. وأما نفقات هذه المجالس فكانت تصرف من بيت المال كباقي كوادر الدولة، وأما أصحاب الوظائف الدينية وما يتعلق بها فكانت رواتبهم تصرف من خزينة وزارة الأوقاف (الأمير عبد القادر سيرته المجيدة، ص45).
وكان مجلس الشورى الأعلى في الدولة الفتية ينعقد والأمير في وسطه، ويتفحص الطعون في قرارات القضاة، ويشكل هذا المجلس علماء أجلاء كانوا يتمادون في التدقيق عندما تعارضهم مشاكل عويصة إلى أن يطلبوا باسم الأمير رأي العلماء المعروفين بتعمقهم في علوم الشريعة، وفي الغالب كانوا يستشيرون علماء جامعة القرويين بفاس، كذلك كانوا يستشيرون علماء الأزهر في بعض الأحيان. غير أنه نظراً لبعد المسافة فإن الأمير لم يكن يلجأ إليهم إلا في الحالات الاستثنائية.
والأمير لم يكن أبداً يتخذ القرار ببساطة، وكان دوماً يستشير المجلس الذي يترأسه في أغلب اجتماعاته، والذي كان في معظم الحالات يعكس صدى الرأي العام (الأمير عبد القادر وبناء الأمة الجزائرية، عبد القادر بو طالب، ص97).
- الاقتصاد والمالية العامة:
لقد أنشأ الأمير نظاماً اقتصادياً تشرف عليه الدولة، الهدف منه جعل اقتصاد البلاد في خدمة الغايات القتالية بصورة خاصة، ومصلحة الفقراء والشعب بصورة عامة، فكان الجباة يخرجون مرتين في السنة بجباية الزكاة والأعشار بعد أن يقسموا على القرآن الكريم بألا يظلموا أحداً وألا يعتدوا على أحد، وأنشأ ديوان الأوقاف وأوكل أمره إلى أبي الحاج عبد الله الجيلاني بن فريحة، وأوكل أمور ديوان الأوقاف إلى السيد عبد الرحمن الحاج طاهر أبي زيد. كما أنشأ ديوان صناعة العملة ومعاملة الأسلحة وكل ما يتعلق بأدوات الحرب، وأوكل أموره إلى السيد أبي البركات محمد الجيلاني، وأسند الأمور الداخلية إلى أبي محمد السيد الجيلاني بن الهادية، أما كتّاب الديوان فكانوا من السادة الأشراف، السيد أحمد بن أبي طالب والسيد مصطفى التهامي. وكان حاجبا الخزينة هما: السيدان محمد بن الحاج علي الريحاوي والحاج النجادي الريحاوي، وكان السيد محيي الدين بن عبد الله ناظر الإسطبلات.
وكانت إيرادات الدولة الفتية تستعمل في نفقات الإدارة والجيش على الأغلب، ويجدر التوضيح هنا بأن كل الرواتب والمعاشات كانت تدفع نقداً وعيناً بالسلع الغذائية على وجه الخصوص، وأنها كانت تتم بانتظام.
لقد بقيت عملة الأمير متداولة حتى بعد استسلامه، واستمرت كذلك إلى أن اتخذت السلطة الاحتلالية سنة (1849م) إجراءات خاصة لسحبها من التداول.
وكانت الخزينة العامة قيمة معتبرة بالنسبة لذلك العصر وتقوّم بالعملة الصعبة، وقطع الذهب؛ بما يعادل أربعة ملايين من الفرنكات الحالية. وهي نتاج الصادرات إلى إسبانيا وفرنسا من الحبوب والماشية والأصواف الآتية من الضرائب، وزيادة على ذلك فقد كان يوجد لحاجيات الحرب كميات ضخمة من البارود والكبريت وملح البارود والمعادن. وكانت الحبوب مخزنة في مطامير موزعة على كامل إقليم الدولة. (الأمير عبد القادر الجزائري، علي الصلابي، ص139)
وكانت التجارة مزدهرة بفضل الأمن الذي كان مستتباً تماماً في كل الأقاليم الواقعة تحت سلطة الأمير، وكان الأمير صارماً فيما يخص قضية أمن الطرق والأسواق. وكانت العقوبات قاسية بالنسبة لمن كانوا يعترضون القوافل المحملة بالبضائع. وقد أعجب سلطان فاس بجهود الأمير ونجاعتها، وذلك أن القوافل القادمة من المغرب كانت تهاجم خلال الفترة التي سبقت مجيء الأمير عبد القادر للسلطة وبيعته، مما كان يجعل المبادلات التجارية بين البلدين نادرة للغاية.
وكان الأمير عبدالقادر يعين محتسباً، وهو ما يشبه المفتش، وكان في الوقت نفسه يعمل على التحكم في أسعار ونوعية البضائع في الأسواق ويراقب أخلاقيات التجار والتجارة التي كانت سليمة ومحترمة، ومنذ اتفاقية "دي ميشال" أصبح الفرنسيون الذين كانوا يحتلون الموانئ لا يستلمون أية بضاعة أساسية من دولة الأمير من حبوب وماشية وأصواف إلا بترخيص منه. وكان الإقليم الخاضع للأمير أكثر أمناً كما كان النظام به أكثر استتباباً مما هو عليه في مناطق النفوذ الفرنسية، وفي المغرب كانت الشرطة الفعّالة لدولة الأمير تهتم بالأخلاق الحميدة وتحارب الذميمة، وتحارب الكحول والتدخين والمقامرة ... إلخ. (الأمير عبد القادر وبناء الأمة الجزائرية، المرجع نفسه، ص103)
المراجع:
الأمير عبد القادر محيي الدين الجزائري، علي محمد محمد الصلابي، دار الروضة – استانبول، ط1، 2017.
· الأمير عبد القادر وبناء الأمة الجزائرية، عبد القادر بو طالب.
· الأمير عبد القادر سيرته المجيدة في حقبة من تاريخ الجزائري.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس