صالحة علام - الجزيرة مباشر

حالة من الترقب الحذر تسود الأوساط الكردية الفاعلة على الساحة التركية انتظارا لما ستتخذه القيادة السياسية من قرارات تخص تعاملاتها المستقبلية مع قيادات حزب العمال الكردستاني، والوقوف على مدى استجابتها وتفاعلها مع قرار العمال الكردستاني حل نفسه، وتسليم سلاحه، وتفكيك بنيته وهيكله العسكري والإداري بالكامل، تلبية للنداء الذي وجهه زعيمه أوجلان في 27 فبراير/شباط الماضي، المعتقل منذ 26 عاما في سجن انفرادي شديد الحراسة بجزيرة إيمرالي ببحر مرمرة غرب تركيا، دون لقاءات بمحاميه أو زيارات عائلية، في استجابة لمبادرة “تركيا خالية من الإرهاب” التي أطلقها ويشرف على تنفيذها دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية الشريك في الحكومة الائتلافية التي يقودها حزب العدالة والتنمية في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وهي المبادرة التي لاقت استحسانا وقبولا من جانب الرئيس أردوغان، الذي التقى شخصيا في المجمع الرئاسي بقيادات حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب التي تتولى عملية التواصل بين الأطراف السياسية التركية الفاعلة وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، وهو ما عد خطوة جريئة من جانب القيادة السياسية.

سبب الترقب والحذر، بل القلق الذي يشعر به أكراد تركيا حاليا، هو الخوف من احتمال انهيار المبادرة، والعودة إلى المربع الأول في ظل الغموض الذي يكتنف الوضع، نتيجة تباطؤ الحكومة في الإعلان عن خطواتها المقابلة التي تزمع القيام بها للرد على قرارات العمال الكردستاني، التي اتخذها دون المطالبة بالحصول على أية ضمانات سواء محلية أو دولية، كبادرة حسن نية من جانبه، ولتحقيق الهدف الذي من أجله تم إطلاق مبادرة بهشلي.

قرارات أوضح الحزب بموجبها رغبته في طي صفحة الماضي، وتحقيق الأمن، والوصول إلى مجتمع ديمقراطي، متعدد الأعراق، ينعم فيه الجميع بالعدل والمساواة، والانخراط في عملية سياسية تفضي إلى دمج عناصره البالغ عددهم 50 ألف مقاتل ضمن مكونات المجتمع التركي وصولا إلى العيش في ظل سلام اجتماعي لا يعكر صفوه شيء.

لكن الرياح لا تأتي دوما بما تشتهي السفن، فعوضا عن الكشف عن قراراتها وخطواتها المستقبلية المرتبطة بهذه المسألة، وهي القرارات التي ينتظرها الأتراك بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم العرقية، أعلنت رئاسة الأركان استمرار العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي ضد معسكرات ومناطق تجمع عناصر حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

إعلان تزامن مع تصريحات للرئيس أردوغان أشار فيها إلى “وجود مباحثات مع السلطات في كل من بغداد وأربيل بالعراق لوضع خريطة طريق بشأن الكيفية التي سيتم بموجبها تسليم أسلحة الإرهابيين المقيمين خارج حدود تركيا”، مؤكدا وجود خطط لمشاركة حكومتي بغداد وأربيل في هذه العملية، وهي التصريحات التي لم يتم التطرق فيها إلى ما ستقوم به الدولة التركية من خطوات تتسق مع ما قام به حزب العمال الكردستاني.

ما أثار غضب قيادات حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، ودفع بعضهم إلى توجيه انتقادات لاذعة للحكومة، متهمين إياها بإنتاج سياسات اقتصادية تزيد من حالة العوز والحاجة وتضاعف من نسب الفقر بين المواطنين، مؤكدين أن هذه السياسة أثرت بشكل مباشر على عملية تحقيق السلام في البلاد.

وحثت تولاي حاتم أوغولاري رئيس حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب الحكومة على ضرورة البدء في اتخاذ خطوات سياسية، وقانونية، وثقافية تتواءم والخطوة التاريخية التي اتخذها حزب العمال الكردستاني في 12 من مايو/أيار الجاري تنفيذا للقرارات التي اتخذتها قيادات الحزب في مؤتمره الذي انعقد في المدة من 5 – 7 من الشهر نفسه.

مطالبة بسرعة الإعلان عن هذه القرارات، والبدء في تنفيذها فورا وقبل الدخول في عطلة عيد الأضحى، لإشاعة الطمأنينة في نفوس الأكراد، وتشجيع قيادات العمال الكردستاني على المضي قدما في تسليم سلاحهم وتفكيك بنية الحزب بسلاسة، وإنهاء علاقاتهم الخارجية التي تقلق بال تركيا.

معلنة تأييد حزبها لمقترح دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية الخاص بتشكيل لجنة برلمانية يعهد إليها بمهمة تحديد الخطوات اللازم اتخاذها لتحقيق أهداف مبادرة “تركيا خالية من الإرهاب”، وهو المقترح الذي يتوافق مع موقف حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيس بالبرلمان، الذي أعلنه رئيسه أوزغور أوزيل.

إذ يرى الشعب الجمهوري أن عملية المصالحة، والبحث عن أطر سياسية لحل المشكلة الكردية يجب ألا ينفرد بها حزب دون غيره من الأحزاب لمجرد أنه الحزب الذي يتولى السلطة في البلاد، وأن إدارة مثل هذه العميلة يجب أن يتم بصورة تشاركية سياسية ومجتمعية، بضم الأحزاب السياسية جميعها ومنظمات المجتمع المدني إليها، مؤكدا أن البرلمان هو المكان الوحيد، والحاضنة الرسمية المؤهلة لقيادة مثل هكذا قضايا مجتمعية خلافية.

وفي إطار سعيها لتحقيق بعض المكاسب التي تحفظ ماء وجهها أمام قاعدتها الشعبية، ولمنح مؤيديها الأمل في مستقبل خال من الإرهاب، تختفي منه التفجيرات والعمليات التي تستهدف مناطقهم، وتمنعهم من العيش بصورة طبيعية، بدأت قيادات حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب جولة على الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، شملت لقاء برؤساء أحزاب كل من الشعب الجمهوري، والرفاة من جديد، والمستقبل.

تحقيقا لهدفين، أولهما تحديد الدور المنوط بالبرلمان القيام به لمواكبة إعلان العمال الكردستاني حل نفسه، وتسليم سلاحه، لتخطي مرحلة التباطؤ التي تتسم بها سياسة الحكومة، وثانيهما وضع خريطة طريق يتم بمقتضاها تحديد الخطوات التي يجب اتخاذها لتحديد مستقبل قيادات الحزب، وعلى الأخص وضع زعيمه عبد الله أوجلان في إطار التعاطي الإيجابي للدولة التركية مع حسن النيات الذي أظهروه تجاهها.

قيادات حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب نقلت خلال هذه اللقاءات وجهة نظر قيادات حزب العمال الكردستاني ورؤيتهم لما يجب القيام به خلال المراحل المقبلة، ورفضهم المطلق للمقترحات التي يتم تداولها إعلاميا بشأن مغادرتهم الأراضي المجاورة لتركيا إلى دول أوروبية بعيدا عن المنطقة.

معربين عن رغبتهم في الاندماج داخل المجتمع التركي، مؤكدين أن تحقيق السلام الحقيقي وإقامة مجتمع ديمقراطي على أسس عملية يتطلب إجراء التعديلات القانونية اللازمة التي تسمح لهم بالعيش في تركيا، كأحد مكونات مجتمعها، وأن التفكير في نفيهم يتعارض بصورة تامة مع الدعوة للسلام، والتوصل إلى حلول ديمقراطية للمشكلة الكردية.

أما فيما يخص عبد الله أوجلان زعيم الحزب فإن المقترح الذي تقدمت به قيادات حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، والعناصر المؤثرة في قرارات حزب العمال الكردستاني ارتكز على ما أدلى به دولت بهشلي، حينما أعلن مبادرته، حيث أشار صراحة إلى منح أوجلان الفرصة لإلقاء خطاب في البرلمان أمام المجموعة البرلمانية لحزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، مع إمكانية الإفراج عنه حال استجابته لمبادرة تركيا خالية من الإرهاب، والمساعدة في وضعها موضع التنفيذ.

ورغم رفض الرئيس أردوغان مسألة الإفراج عن أوجلان، فإن القيادات الكردية تتمسك بتصريح بهشلي وتطالب حاليا بضرورة تحسين ظروف العزل التي يعيش فيها عبد الله أوجلان (76 عاما)، ومنحه حرية الحركة والعمل باعتباره الزعيم الذي سيرأس قيادة عملية التفاوض بين العمال الكردستاني والحكومة التركية.

فهل يمكن أن يتخذ أردوغان خطوة جريئة أخرى، ويغيّر موقفه الرافض، ويقرر الإفراج عن أوجلان كما سبق وأن التقى قيادات الديمقراطية ومساواة الشعوب في المجمع الرئاسي؟ أم أنه سيكتفي فقط بتحسين ظروف محبسه، وإتاحة الفرصة أمامه للتواصل بشكل مستمر مع أفراد أسرته ومحاميه؟ خصوصا وأن أوجلان نفسه لم يتطرق في أي من لقاءاته أو خطاباته لمسألة الإفراج عنه بأي صورة من الصور، مما من شأنه رفع الحرج عن الرئيس أردوغان، ويجنبه الدخول في معركة لا طائل من ورائها.

عن الكاتب

صالحة علام

كاتبة وصحفية مصرية مقيمة في تركيا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس