
ترك برس
في مقال بصحيفة يني شفق التركية، سلط الكاتب والسياسي البارز ياسين أقطاي، الضوء على تصاعد جرائم الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر، مشيرًا إلى أنه لم يترك قاعدة قانونية أو أخلاقية إلا وانتهكها، بدءًا من قصف المستشفيات والمدارس وحتى اغتيال الصحفيين واستهداف المدنيين بدم بارد.
يتناول أقطاي الدور الأمريكي في دعم هذا السلوك الإجرامي، مما يجعل إسرائيل بمنأى عن أي مساءلة دولية. كما يبرز أسطول الصمود العالمي كرمز للمقاومة المدنية في وجه هذه الهمجية، مستعرضًا استهداف إسرائيل لسفن مدنية في تونس، وقصفها وفدًا تفاوضيًا لحماس في قطر، في خطوة تعكس تماديًا خطيرًا يطال حتى الدول الوسيطة.
ويدعو الكاتب التركي في نهايته الدول العربية والإسلامية إلى موقف موحّد يتجاوز الإدانات الشكلية، نحو إجراءات عملية تعيد رسم معادلة الأمن والسيادة في المنطقة، محذرًا من الاستسلام لهيمنة نظام عالمي متواطئ. وفيما يلي نص المقال:
منذ 7 أكتوبر، لم يترك الكيان الصهيوني الذي يهاجم هنا وهناك مثل كلب مسعور، أي قاعدة قانونية إلا وانتهكها، ولا اتفاقية إلا وخرقها، ولا مبدأ إنساني إلا وتعدى عليه، ولا جريمة ضد الإنسانية إلا وارتكبها. يبدو وكأنه في سباق نحو ابتكار أساليب جديدة في الإجرام، محاولًا تسجيل رقم قياسي جديد كل يوم. فقام بقصف المستشفيات، وذبح الأطفال، واستهداف الصحفيين وقتلهم تباعًا، وارتكاب مجازر جماعية بحق الكوادر الطبية والمعلمين والطلاب، وتجويع الناس حتى الموت، وقتل من يصطفون للحصول على المساعدات التي بالكاد تصل إليهم، وذلك عبر قصف الطوابير أو نيران القناصة.
إن كل واحدة من هذه الجرائم تمثل خطاً إنسانياً أحمر لا يُتصوَّر تجاوزه. ومع ذلك، فقد أقدم الاحتلال الإسرائيلي على ارتكابها جميعاً، دون تردّد، وبكل جرأة، ما يجعله اليوم المثال الأبرز في العالم على الوحشية الممنهجة والقوة الهمجية. وما كان ليستطيع ذلك لولا الدعم غير المحدود الذي يتلقّاه من القوة العظمى الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعله عصيا على الردع أو المحاسبة. وهكذا يتواصل المشهد: قوّة متغطرسة تسلب العالم ضميره وقانونه ونظامه، وتطأ بقدمها كرامة الإنسان وحقوقه، فيشعر كل من بقي فيه ذرة من إنسانية بثقل هذا الظلم الجاثم على صدر العالم. وأمام هذا المشهد، تدرك الحركات النقدية حول العالم كيف تُركت البشرية كلها عارية وضعيفة أمام سطوة هذا النظام العالمي، لكنها ترى في المقابل أن فلسطين، وغزة، وحركة حماس، قد تحولت إلى مشعل للحرية في مواجهة هذا النظام الاستعماري الوحشي. واليوم، باتت غزة رمزًا للرغبة في التحرر، والمطالبة بالكرامة، والكفاح من أجل الحرية.
إن أسطول الصمود العالمي هو بمثابة انتفاضة للضمير الإنساني في وجه هذا النظام المستبد في العالم، وهو حركة مدنية خالصة في مواجهة القوة العسكرية. وبالأمس، هاجمت إسرائيل بطائرات مسيرة السفن الراسية في ميناء تونسي، والتي كانت قد أبحرت من موانئ إسبانيا وإيطاليا. إن إسرائيل تمثل خطراً يتمثل في جرأتها على مهاجمة مدنيين حركتهم ضمائرهم وحدها، لمحاولة إنقاذ الأطفال والمدنيين من القصف والذبح والموت جوعاً. وفي تلك اللحظة التي كنا نتساءل فيها: “أوصلوا إلى هذا الحد أيضاً؟!” ورد خبر عن تنفيذ إسرائيل هجوماً استهدف في قطر وفد حماس المفاوض الذي كان قد اجتمع لمناقشة مقترحات ترامب المتعلقة بالهدنة.
وبهذا الهجوم، أضافت إسرائيل في غضون يومين فقط بلدين آخرين إلى قائمة البلدان التي هاجمتها. فبعد أن قصفت السفن الراسية التي تحمل طابعاً مدنياً خالصاً، في تونس التي لا تشكل أدنى تهديد أمني لها نظرًا لبعدها عن إسرائيل، قامت بقصف الوفد الذي يتفاوض معها في الدوحة.
الدوحة، التي تُعد عاصمة القيادة الحكيمة التي أدارت عملية الوساطة منذ البداية لم تسلم هي الأخرى من هذا العدوان. وسبق أن اغتالت إسرائيل القائد السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في إيران، وهو بلد تعتبره عدوًا وتخوض معه حربًا باردة. بالطبع، هذا الفعل لم يكن طبيعيًا أبدًا، بل كان مجرد انحدار إلى مستوى جديد من وقاحة إسرائيل التي لا تعترف بالقوانين. أما استهداف وفد المفاوضات في قطر، فهو يثبت مجددا أن إسرائيل لا تُؤتمن على عهد ولا يوثق بوعودها، وأن الولايات المتحدة التي ترعاها وتحميها لا يمكن الثقة بأي وعود تصدر عنها. بل إن توقيت هذا الهجوم بالذات، أثناء مناقشة المقترحات الأميركية للتهدئة، يشي بأن العملية تمّت بموافقة أميركية مسبقة، الأمر الذي يحوّلها إلى فخٍ غادر، ويُظهر بجلاء شراكةً كاملة في الجريمة بين إسرائيل وواشنطن.
في الواقع، يجب أن يكون الهجوم الإسرائيلي على قطر درسًا قاسيًا لجميع الدول العربية التي تتعاون اليوم مع الولايات المتحدة وإسرائيل. فمثلاً، من الذي تحميه القواعد الأمريكية الموجودة في قطر ممن؟ يفترض أن تكون هذه القواعد موجودة لمنع أي تهديد محتمل يواجهها، لكنها في الواقع تشكل مصدر التهديد ذاته. ونفس الأمر ينطبق على السعودية، فهل يمكن للقواعد الأمريكية الموجودة اليوم هناك أن تضمن أمن المملكة فعلياً؟
في الواقع يجب أن يكون استهداف إسرائيل لأهداف في قطر حدثًا مفصليًا يدفع كل الدول العربية والإسلامية لإعادة التفكير في أمنها، وعليهم أن يتحدوا لإصدار أقوى رد فعل ممكن على هذا الهجوم.
ويجب أن يتجاوز هذا الرد مجرد الإدانة الشكلية، بل يجب أن يشمل فرض عقوبات على كل من إسرائيل والولايات المتحدة، التي تمسك بزمامها.
وإن اعتمدت هذه الدول على الله أولا ثم على إمكانياتها الذاتية، فسيعرفون أنه لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل منيعتان، وإن غابت عن بعضهم هذه الحقيقة فإن مقاومة المجاهدين الأفغان إلى جانب صمود كتائب القسام، كفيلة بأن تذكّرهم بذلك.
وفوق ذلك، أمام الدول الإسلامية فرصة حقيقية لتوحيد قواها في مواجهة هذا الخطر المستعر، الذي لم يعد وشيكاً فحسب، بل قد بلغ أبوابها.
وفي خضم كل ذلك، يجب ألا نغفل أبدا عن تحذير ربنا تبارك وتعالى: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!