
ترك برس
قال السياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، في مقال بصحيفة يني شفق، إن مقاومة غزة أصبحت اليوم الكلمة المفتاحية لحركة الحرية العالمية.
وأكد أقطاي إنه في غزة لا يجلس المظلومون مكتوفي الأيدي كـ "ضحايا مستسلمة"، بل هناك مقاومة نبيلة تُلهم عشاق الحرية.
وشدد على أن "حركة "الصمود" لكسر الحصار عن غزة، هي حركة نبيلة بالغة الأهمية تحركت بدافع هذا الإلهام. لقد حققت هدفها فهنيئاً لها".
وفيما يلي نص مقال أقطاي:
لقد أضافت إسرائيل الصهيونية ومرتكبة الإبادة الجماعية، جريمة جديدة إلى سجلّها الأسود الحافل بجرائم الحرب التي ارتكبها على مدى عامين كاملين بحق الإنسانية بكل أشكالها. فها هي اليوم تعترض بكل عدوانية أسطول "الصمود" الإنساني الذي يمثل صحوة الضمير العالمية ضد هذه الجرائم، ساعيًا لإيصال المساعدات إلى أهالي غزّة الذين تُحاصرهم إسرائيل وتُقصفهم وتُجوّعهم منذ عامين. وكعادتها، اعترضت طريق هذا التحرك المدني الإنساني بأسلوب قطاع الطرق، واستخدمت العنف ضد متطوعين مدنيين يُمثلون ضمير الإنسانية وشرفها ولا يحملون سوى ضمائرهم الحرة في مواجهة الهمجية والوحشية، واعتدت على حريتهم.
وفي الحقيقة، رغم كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل أمام أعين العالم منذ عامين والتي تثير سخط الضمائر، لم تتمكن من كسر المقاومة بل زادتها قوة وصلابة، وباتت إسرائيل أبعد ما تكون عن تحقيق الأهداف التي أعلنتها منذ بداية الحرب. فحركة حماس التي تحاول إسرائيل القضاء عليها، لا تزال تقاوم اليوم بإصرارٍ لا يقل عن إصرارها في اليوم الأول، وبقوة عسكرية أكبر من ذي قبل. ولم تتمكن إسرائيل، رغم اغتيالها المتكرر لقيادات الحركة، من منع ظهور قياداتٍ جديدة شابة ومؤمنة تقف في وجهها. بل إن استمرار هذا العدوان الهمجي وسّع نطاق المقاومة التي كانت في البداية محصورة في غزة لتصبح ذات بعد عالمي.
وربما تكون إسرائيل قد أوقفت حركة "الصمود" الآن، لكن هذه القرصنة لم تثنِ المقاومة، بل زرعت بيدها بذور مرحلةٍ جديدة أوسع نطاقاً وأكثر قوة وعددا. ففي أعقاب هجومها الوحشي على أسطول الصمود مباشرة، بدأت الاستعدادات لإطلاق "أسطول الحرية" الجديد، الذي يهدف إلى كسر الحصار المفروض على غزة. وقد أبحر هذا الأسطول المكون من عشر سفن محملة بمؤن الإغاثة الإنسانية من ميناء كاتانيا في جزيرة صقلية الإيطالية يوم السبت الماضي، ويشارك في هذا الأسطول نحو 60 متطوعاً من 15 دولة مختلفة.
وقد أُطلق الأسطول الجديد بمبادرة مشتركة بين تحالف أسطول الحرية وحركة "ألف مادلين"، وكان من المقرر أن ينضم إلى سفن "أسطول المقاومة". وجاء في بيان صادر عن تحالف أسطول الحرية ومنظمة "ألف مادلين" ما يلي:
"إن جميع هذه البعثات المدنية تُظهر أن الدعوة إلى إنهاء الحصار الإسرائيلي لا يمكن إسكاتها أو ردعها".
لقد سبق أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكماً بأن ما تفعله إسرائيل في غزة هو جريمة إبادة جماعية، كما نصّ حكمها أيضًا على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل إلى سكان غزة، وهو ما يمنح أي مبادرة إنسانية تسعى إلى ذلك حصانة بموجب القانون الدولي. ولا يتوقع أحد أن تراعي إسرائيل ضرورة إيصال المساعدات لأشخاص تهدف إلى قتلهم عبر تجويعهم، لكن للإنسانية حقّ وواجب في رفض السكوت عن هذه المعاملة غير الإنسانية التي تجري أمام أنظار العالم. إن محاولة اعتراض من يتحركون بدافع هذه المسؤولية يُعد بحد ذاته جريمة أخرى وفق اتفاقيات جنيف.
وفي المقابل، كلّما تمادَت إسرائيل في جرائمها ورفعت مستوى عنفها وعدوانها، ازدادت يقظة الضمير العالمي أكثر، واتسع نطاق الجبهة المناهضة للصهيونية التي باتت تكتسب طابعاً عالمياً واضحاً. وتعدّ حركة "الصمود" إحدى أبرز تجليات هذه اليقظة. فقد أثارت القرصنة الإسرائيلية الوحشية ضد "أسطول الصمود" موجةً غير مسبوقة من الاحتجاجات الجماهيرية في مختلف مدن العالم، حتى أن النقابات الإيطالية نظّمت للمرة الأولى إضرابًا تضامنًا مع هذا المطلب الإنساني.
وهكذا، بينما تسعى إسرائيل إلى فرض حصارٍ على غزة، وجدت نفسها محاصرة بالضمير العالمي. وكما عبّر صديقنا الكاتب يوسف قبلان ببراعة: لقد حوّل النفوذ الصهيوني العالم بأسره إلى إسرائيل، عبر هيمنته القسرية على الإعلام والسياسة والاقتصاد، لكنّ أفعال هذا الكيان نفسه جعلت العالم كله يتحول إلى غزة؛ غزة التي تصرخ في وجه الظلم، وتعلن أنها لن تستسلم، وستواصل المقاومة.
لقد انضم لحركة "الصمود" أكثر من خمسمائة ناشط، ومنعوا من الوصول إلى غزة. لكن ما مُنِعَ كان مجرد وصول السفن المادي إلى شواطئ غزة، أما "الصمود" فقد وصل إلى هدفه وحقق مبتغاه، إذ نجح في كشف حجم الوحشية الإسرائيلية، وفضح أمام العالم النظام الإمبريالي القائم على الاستغلال والاحتلال الذي يقف خلف هذه الجرائم. ورفعت موجة النقد والمقاومة لهذا النظام إلى مستوى جديد.
كان مئات الآلاف من الناس يرغبون في الانضمام إلى هذا الأسطول، غير أن الصعوبات التنظيمية حدّت من العدد بشكل كبير. واليوم أولئك الذين لم يتسنَّ لهم الالتحاق بأسطول الصمود، يواصلون دعمه برا بأعدادٍ تتزايد يوماً بعد يوم ككرة ثلجٍ تتدحرج وتكبر.
لقد تعرض أهل غزة، على مدى عامين، للوحشية الإسرائيلية التي تهدد الإنسانية بأسرها. ربما كانوا يشاهدون تضامن الناس معهم في جميع أنحاء العالم ويستمدون منه القوة المعنوية. ولكن ولأول مرة، وقف أناس فعلياً في وجه ظالميهم، متحمّلين المجازفة بالتعرض لظلمهم. وهذا يمثل دعماً موضوعياً وقوياً لأهل غزة. وقد شهدنا قيمة هذا الدعم في حادثة سفينة "مافي مرمرة".
لقد بدا أن إسرائيل أوقفت "مافي مرمرة"، لكنها في الواقع وفرت بأيديها الفرصة لفضح الأبعاد اللاإنسانية للحصار الذي فرضته على غزة أمام أعين العالم كله. إن الموجات التي أحدثتها "مافي مرمرة" في العالم الإسلامي سرعان ما جلبت معها ثورات الربيع العربي، تلك الثورات التي تحولت إلى كابوس لإسرائيل والأنظمة الديكتاتورية والمراكز الإجرامية التي تدعمها علناً أو سراً. وفي معظم البلدان التي زرتها بعد تلك الثورات في مناسبات مختلفة، كان الثوار أنفسهم يروون لي كيف أن حادثة "مافي مرمرة" وموقف أردوغان الشهير بـ"دقيقة واحدة" (“One Minute”) تركا أثراً عميقاً في نفوسهم.
لقد أصبحت مقاومة غزة اليوم الكلمة المفتاحية لحركة الحرية العالمية. ففي غزة لا يجلس المظلومون مكتوفي الأيدي كـ "ضحايا مستسلمة"، بل هناك مقاومة نبيلة تُلهم عشاق الحرية. إن حركة "الصمود" هي حركة نبيلة بالغة الأهمية تحركت بدافع هذا الإلهام. لقد حققت هدفها فهنيئاً لها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!