مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

في تتبع دقيق للشأن التركي بكل تفاصيله وحسب ما يتوفر من الأخبار والمعلومات والتقارير، أحسست بما يشعر به الشعب التركي بمختلف أطيافهم السياسية والعرقية والطائفية، حيث أن من أكبر همومهم وأقلق غمومهم هو متى يأتي فاتح تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، لأداء أمانة الصوت المقدس والذي يعود بتركيا مرة ثانية للاستقرار كما كانت قبل 7 حزيران/ يونيو الماضي.

لأن القلق والاستقرار الذي تخلفه الانتخابات وخصوصا البرلمانية منها يكون أكبر وأشد، حيث أن مستقبل البلد واقتصاده وسياسته الداخلية والخارجية قد تتعرض لتغير قد يكون مفيدا وقدلا يفيد.

وأنا في وطني المغرب أعيش الهم نفسه والغم عينه، ولكن خوفا مما تسفر عليه نتائج 4 شتنبر (أيلول/ سبتمبر)، موعد الانتخابات البلدية والجهوية والتي أعطاها الدستور الجديد "دستور 2011" صلاحيات وإمكانيات وموارد مالية تصلح أن تكون بها حكومات مصغرة لتسيير الشأن المحلي والجهوي.

ولأن لا جديد في موضوع الأحزاب المغربية ونخبها ومرشحيها وبرامجها الانتخابية، فإن الهم والغم وجد منفذًا إلي، فساويت بين انتخابات بلادي في الرابع من شتنبر 2015 وبين الانتخابات التركية المقبلة، رغم اختلاف نوع الاقتراع، لشيء واحد أهمية الانتخابات البلدية والجهوية في نهضة البلدان وتقدمها، ولأن تركيا تقدمت ونهضت النهضة الكبرى المعروفة، بسبب العمل السياسي لحزب العدالة والتنمية، والذي بدأ بتحقيق رؤيته وإنزالها على أرضع الواقع التركي من خلال النجاح في تسيير الشأن المحلي والجهوي التركي، وبالتالي تحقيق حزب العدالة والتنمية ما لم تحققه باقي الأحزاب السياسية منذ نشأت الجمهورية التركية الكمالية.

وبعد النجاح في تجربة تسيير الشأن المحلي والجهوي، تطلع الزعيم أردوغان ورفقاء الدرب إلى تسيير الشأن الوطني التركي على مستوى الحكومي والرئاسي، فأفلحوا فلاحا يعترف به الصديق المحب والعدو العادل، فوقع التكامل بين نجاح تجربة التسيير المحلي والجهوي وتجربة التسيير الحكومي والرئاسي، فكانت "نهضة تركيا الجديدة"، والتي فرح بها الشعب العربي من الخليج إلى المحيط، وتأكدوا من خلالها أن القيم والمبادئ الإسلامية لا تمنع النهضة التقدم ولا توظيف النظام الديمقراطي في خدمة البلاد والعباد.

لقد أصبحت تركيا أنموذجًا مبهرًا في النهضة الاقتصادية والتنموية والعلمية والسياسية الديمقراطية في العالم، والتي تعتمد على الإرث التاريخي والثقافة والهوية الوطنية مع الانفتاح على العالم برؤية "الحكمة ضالة المؤمن".

وبصدق وبصفتي مسلم عربي مغربي أتمنى لو وفّقت أحزاب بلادي الحبيب "المغرب" في تحقيق ما حققه "حزب العدالة والتنمية التركي" ابتداء في الشأن المحلي والجهوي، ولا يهم الخلفية السياسية والإيدلوجية والفكرية لهذه الأحزاب بشرط أن يكون هدفها المقدس تحقيق الشعار السامي "خدمة الوطن والمواطن"، لأن هذا الشعار لا يترك الوقت لتلك الأحزاب من أجل المزايدة والدخول في صراعات على شعارات أيديولوجية وسياسة  فارغة المضمون، عقيمة الثمار، ملّها الشعب وكرهها، كره العلم للجهل.

وفي هذا السياق يعلمنا قادة حزب العدالة والتنمية التركي ونخبه السياسية ومسؤوليه ومناضليه، أنهم جاؤوا لتحقيق هدف واحد أوحد هو "خدمة الشعب التركي بكل أطيافه ومكوناته، وتحقيق نهضة تركيا من خلال الرؤى الثلاث: 2023 - 2053 - 2071" فقط، ولو التفتوا إلى تصفية الحسابات السياسية وتحقيق المصالح الشخصية والحزبية، لما حكموا ثلاث عشر عاما، وبهروا العالم في عشرة استحقاقات انتخابية بين البرلمانية والبلدية والرئاسية والاستفتاء الشعبي، والتي جاء فيها فوز العدالة والتنمية ساحقا، دافعا لهم على مواصلة تنفيذ بنود شعارهم الصادق، والذي حققوا الكثير والكثير من مضامينه.

ما زال علماء السياسة والتنمية يصرون على أن نهضة البلدان تأتي بعد توفير التعليم الجيد والخدمات الصحية، بتنمية الجماعات المحلية والبلديات والنهضة بالمحافظات والجهات، كما كان يقول أحد علماء مصر الأبرار: "أعطوني تسيير شأن بلديات مصر، أُعطِكُم نهضة مصر"، ولعل الزعيم أردوغان وإخوانه طبقوا هذه القاعدة الذهبية من قواعد النهضة والتقدم والرخاء.

إني أحب النجاح والتميز، لذا كلما وجدت فرصة لتمجيد نجاح تركيا والأتراك، وتميز أردوغان وحزبه، أخط بقلمي كلمات أتقرب بها إلى الله تعالى، نصرة للحق والحقيقة، وإنصافا لمجهود يجب أن يذكر فيشكر فينشر، لا لأن حزب العدالة والتنمية التركي ذو مرجعية إسلامية ورؤية براغماتية معتدلة، ولكن لأنه مثال لصدق الوطنية، والوفاء للهوية والقيم، والتمسك بالإرث التاريخي والثقافي والحضاري مع التطلع إلى المستقبل والانفتاح على المحيط.

هذا ما أريده من أحزاب "بلاد منبت الأحرار ومشرق الأنوار"، بلاد "من نقل الحضارة الإسلامية والعربية إلى غرب القرون الوسطى، أيام كانت كلما ذكرت الحضارة والعلم والثقافة والرقي والتقدم ذكر المغرب وتوأمه الأندلس"، بلاد وقف السلاطين العثمانيين العظماء على حدودها وقفة إجلال واحترام.

أدعو الله تعالى أن يوفق كل من جعل همه خدمة الوطن والمواطن والدين، سواء في المغرب أو غيرها من بلدان المسلمين، ويزيل عنّا هم هذه الانتخابات وغمها، بما يقر أعيننا ويسر قلوبنا، من نهضة وتقدم بلداننا.

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس