محمد زاهد جول – الخليج أونلاين

لم يتم التوقيع بشكل نهائي على اتفاق النووي بين إيران والدول الست وعلى رأسها أمريكا، حتى يمكن تسمية اتفاق النووي باتفاق النووي الإيراني الأمريكي، فقد كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قطب الرحى في إدارة المباحثات النووية وإجراء المفاوضات حول المشروع النووي الإيراني، وكان تأخره عن الاجتماعات التي كانت تجري في جنيف أو سلطنة عمان يكاد يوقف المباحثات، كما أن الاتفاق سوف يتوقف أو يجمد في حال امتناع الكونغرس الأمريكي عن الموافقة على هذا الاتفاق، وهو ما يعني أن الموقف الأمريكي هو الموقف الفاعل والمؤثر في إقرار اتفاق فيينا النووي بين إيران والدول الست.

وكذلك فإن أمريكا هي قطب الرحى في إدارة صراعات الشرق الأوسط، فما من قضية أو أزمة شرق أوسطية إلا وأمريكا طرف رئيس فيها، وبالأخص القضايا التي تعتبر إيران طرفاً مشاركاً فيها، وفي مقدمتها الأزمة السورية، والأزمة العراقية، والأزمة اليمنية، والأزمة اللبنانية، وأزمات التوتر في دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء سلطنة عمان، التي ربما هي مؤجلة في الاستراتيجية الإيرانية، أو بهدف استخدامها بوابة دخول إلى دول الخليج مرحب بها فيها في هذه المرحلة على الأقل، ولذلك، ومع مواصلة إيران حروبها العسكرية والسياسية في الدول العربية دون معارضة أمريكية ولا عالمية، فإن ذلك مشير إلى أن إيران لم تتأثر باتفاق النووي عن مشاركتها حلفاءها أو أتباعها في هذه الحروب المشتعلة، وأنها لا تزال ترسل جنودها وحرسها الثوري في هذه البلاد، بل حصل تطور مهم بعد توقيع اتفاق النووي بتاريخ 2015/7/14 إلى أن تصبح إيران طرفاً مباشراً وصريحاً ومعلناً عنه في الحرب على الشعب السوري، فهي التي تقاتل بواسطة مليشيات حزب الله اللبناني في الزبداني، وهي التي تفاوض مباشرة فصائل الثورة السورية فيها، وتطالبهم وتشترط عليهم لوقف إطلاق النار مغادرة المواطنين السوريين السنة منها إلى مناطق أخرى في ريف حلب أو غيرها، أي إن إيران بعد اتفاق النووي وقبل توقيعه وإقراره النهائي أكثر نشاطاً في عدوانها من قبل.

فإذا تم تعميم هذه القراءة على العلاقات التركية الإيرانية، فإن من حق الأتراك أن يتوجسوا خيفة من نتائج اتفاق النووي الإيراني الأمريكي على تركيا، فلا يمكن المراهنة على العلاقات الاقتصادية القوية بين البلدين أن تحافظ على مسار العلاقات الحسنة أو الإيجابية بينهما، بل ينبغي التخوف على هذه العلاقات الاقتصادية بين البلدين إذا لم تكن الدولة الإيرانية وفيّة للمساعدات التي قدمتها الدولة والحكومة التركية لجارتها إيران وهي تتعرض للحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية، وبالأخص في مجال تحصيل السيولة المالية التي كانت تحاول المساعدة فيها بقدر الإمكان، وبما لا يخالف القانون الدولي والأخلاق الإنسانية، فإيران بعد الاتفاق قد تجد نفسها حرة في إقامة العلاقات الاقتصادية مع أمريكا والدولة الأوروبية التي أخذت بالتسابق لإبرام الاتفاقيات الاقتصادية مع إيران، وهذا سيجعل إيران أقل حاجة إلى الشركات التركية، بل قد نجد الشركات الإيرانية تزاحم الشركات التركية في تركيا نفسها، وبذلك فقد يكون مردود اتفاق النووي على تركيا سلبياً من الناحية الاقتصادية أيضاً، ولكن ما هو أخطر منه أن يتخذ ذلك الاتفاق ذريعة للتدخل في الشؤون التركية على الطريقة التي سلكتها إيران في بعض الدول العربية، وبالأخص الدول العربية التي فيها طوائف شيعية ترى إيران أنها صاحبة الحق في رعايتها مذهبياً وقيادتها طائفياً وسياسياً، حتى لو أدى ذلك إلى تفكيك هذه الدول العربية، أو أدى إلى حروب أهلية بين مكوناتها الطائفية المذهبية أو تنوعها العرقي أو الاثني أو غيره.

إن توصل إيران إلى اتفاق مع أمريكا الدولة الصديقة للدولة والحكومة التركية ينبغي أن يكون عامل اطمئنان للدولة والحكومة التركية من نتائج هذا الاتفاق، ولكن تزايد الأعمال الإرهابية في تركيا، والتي لا يخفي حزب العمال الكردستاني وقيادته في جبال قنديل شمال العراق مسؤوليته عنها، دلالة على تهديد قادم من شرق تركيا وليس من جنوبها فقط، وحيث إن هذه القيادة الإرهابية المتشددة لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل على صلة وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني، فإن ذلك إشارة محتملة على تعاون بينهما في إثارة المشاكل في الجنوب الشرقي لتركيا، حيث تكثر الأغلبية السكانية الكردية، فبين حزب العمال الكردستاني والحرس الثوري الإيراني أهداف مشتركة في العراق وسوريا، ويمكن لهما اعتبار السياسة التركية في كلا البلدين معاكسة لسياستهما أو معرقلة لمخططاتهما فيهما، فحزب العمال الكردستاني يعمل ضد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق ويدعم معارضيه، ويتعاون حزب العمال الكردستاني في ذلك مع الإيرانيين في إضعاف حظوظ السيد مسعود بارزاني في تمديد الرئاسة أو إعادة انتخابه رئيساً للإقليم في الانتخابات القادمة التي يتم الإعداد لها في حالة فشل إمكانية التمديد نهائياً.

وأما في سوريا فإن التعاون بين حزب العمال الكردستاني مع الحرس الثوري الإيراني أكثر وضوحاً، من خلال تعاون امتدادهما وأدواتهما السياسية والعسكرية هناك، فحزب العمال الكردستاني يمثله في سوريا حزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة صالح مسلم ومليشياته المسلحة باسم وحدات حماية الشعب، بينما يمثل الحرس الثوري الإيراني في شمال سوريا فيلق القدس الذي كان بقيادة قاسم سليماني، الذي كان يمد وحدات حماية الشعب الكردي بالسلاح والعتاد والمقاتلين بهدف تمكينها من إقامة كيان كردي، يمكن أن تستخدمه إيران ككيان كونفدرالي أو انفصالي في حالة تقسيم سوريا فيدرالياً أو كونفدرالياً، أو في حالة تقسيم سوريا إلى عدة دول طائفية وعرقية، فإيران تساند الأحزاب الكردية في سوريا لما يخدم مصالحها المستقبلية، وبالتأكيد خشية حدوث شرخ أو انقطاع جغرافي في الهلال الشيعي الذي تمتعت به في السنوات الماضية، فإذا فقدت التواصل الجغرافي الشيعي الطائفي من خلال الدول الطائفية التي كانت قائمة من إيران إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان، فهي تريد أن تضمن أن يكون الكيان الكردي القادم، الذي تعمل لإقامته الولايات المتحدة الأمريكية، كياناً متحالفاً معها، أو عضواً في حلفها السياسي والعسكري، أو ليس عدواً لها على أقل تقدير.

إن تعاون الحرس الثوري الإيراني مع حزب العمال الكردستاني في سوريا، يعمل وفق الاستراتيجية الأمريكية لتقسيم سوريا، وهذا التعاون إن لم يكن وفق الرؤى المشتركة الأمريكية والإيرانية التي صاحبت مباحثات اتفاق النووي، فإنه وهو يأتي معها وبعدها، يحمل تأكيداً أن هناك خطة إيرانية كردية أمريكية تعمل على أرض الواقع السوري، وهي بلا شك لا تريد للدولة التركية أن تقف ضد مخططاتها في شمال سوريا، حتى لو أدى هذا التقارب إلى إقامة كيان كردي على كامل الأراضي السورية المحاذية للحدود التركية، وهذا فضلاً عما يحمله من مخاطر على الأمن القومي التركي، فإنه يعتدي على حقوق السوريين من غير الأكراد وهم في مدنهم وقراهم الأصلية في هذه الحدود، سواء كانوا من السوريين العرب السنة أو السوريين التركمان السنة أيضاً، ومن ثم فإن مخاطر إقامة هذا الكيان الكردي سوف يدفع ملايين السوريين إلى الهجرة إلى تركيا هرباً من حروب التطهير العرقي القادمة، وهذا لو حصل فسوف يؤثر على تركيا أيضاً.

إن العملية العسكرية الإرهابية التي نفذتها عناصر تنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، والتي استهدفت آليتين عسكريتين تابعتين للقوات البرية التركية في منطقة داغليجا التابعة لولاية هاكاري، تؤكد أن العمليات التي سوف يقوم بها حزب العمال الكردستاني في المستقبل ستكون أكبر وأخطر، فقد أعلن بيان صادر عن هيئة الأركان التركية يوم 2015/9/8 "أن ناقلتين عسكريتين تابعتين للقوات البرية التركية في منطقة داغليجا التابعة لولاية هاكاري قد تعرضتا لهجوم إرهابي، وراح ضحيتها 16 جندياً تركياً"، مما اضطر مجموعة عسكرية تركية إلى التوغل في الأراضي العراقية وهي تطارد مسلحي حزب العمال الكردستاني، وقد هاجمت القواعد العسكرية لحزب العمال الكردستاني قرب المثلث الحدودي بين تركيا وإيران والعراق.

لذلك، قد تكون تركيا من أكثر الدول المتضررة من اتفاق النووي بين إيران وأمريكا، لأن إيران سوف تجد نفسها مؤهلة إلى مصارعة السياسة التركية في المنطقة وعليها، بعد فراغها من صراعها مع أمريكا والغرب، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، فالحاجة إلى العلاقات الاقتصادية الحسنة لإيران مع تركيا قد تزول في أية لحظة، أو يمكن الاستعاضة عنها بدول أخرى أكثر تقارباً من تركيا، بكل سهولة، وأكثر فائدة.

إن تصاعد الأعمال الإرهابية التي يوجهها حزب العمال الكردستاني إلى الجيش التركي ينبغي حملها على مؤشر العلاقات التركية الإيرانية بعد اتفاق النووي الإيراني الأمريكي، وهذا يتطلب من صانع السياسة التركية أن ينظر إلى العلاقات الوطيدة بين حزب العمال الكردستاني والحرس الثوري الإيراني على محمل الجد والخطر والتهديد، بغض النظر عن موقف حكومة روحاني وجواد ظريف السياسية والإصلاحية، فالسياسة الإيرانية تستعمل يديها الاثنتين السياسية الرمسية، والمليشياوية للحرس الثوري الإيراني وتوابعه الإقليمية.

إن على الدولة التركية مراقبة السلوك الإيراني وما يمثله من تهديد لتركيا، وبالأخص على الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا، فهي عنوان خطر على الأمن القومي التركي، لا يقل خطورة عما يوجد على الحدود التركية السورية، ففي كلا المكانين يتم الإعداد لتوجيه ضربات قاسية للدولة والحكومة التركية، ومن ثم فإن المنطقة الآمنة التي تهدف لها تركيا في شمال سوريا، والتي ارتأت أمريكا تسميتها بالمنطقة الخالية من المخاطر، لن تكون الضمانة الوحيدة المطلوبة لتأمين المخاطر على الحدود التركية الخارجية أو داخلها، والتفجير الأخير في منطقة داغليجا التابعة لولاية هاكاري قد يكون مشيراً إلى الأخطار الداخلية، التي هي أشد خطراً من الأخطار التي أعطتها الحكومة التركية الكثير من الأهمية في التفاوض مع أمريكا على المنطقة الآمنة شمال سوريا، ومن ثم فإن الحكومة التركية مطالبة بتأمين موقف أمريكي لا يتعاون مع حزب العمال الكردستاني أولاً، ولو بالعلاقات السرية بينهما، وكذلك أن يكون التعاون الأمريكي الإيراني القادم لا يستهدف الأراضي ولا الحدود التركية.

ولعل الأسئلة التي لم تجد جواباً لدى الوزراء الأتراك عام 1999، لماذا عملت أمريكا على تسليمهم عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني قد تجد جواباً اليوم، ولو من باب الاحتمال فقط، وهو أن أمريكا لم تجد في عبد الله أوجلان الزعيم الكردي الذي يمكن أن تتعاون معه من خلال المخابرات الأمريكية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة، ولذلك كان لا بد من إزاحته عن قيادة حزب العمال الكردستاني، واستبداله بزعامات كردية أكثر تقارباً وتفاهماً واستجابة للمطالب الأمريكية، داخل تركيا وفي المنطقة أيضاً، وهو ما تجده أمريكا اليوم من قيادات حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل ولو بضغوط إيرانية، أو من صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، ولو بضغوط من بشار الأسد وإيران معاً.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس