جميل إرتم - صحيفة ملييت - ترجمة وتحرير ترك برس

لا شك أنّ التدخل الروسي في سوريا يحمل أبعادا كثيرة، اقتصادية وسياسية وعسكرية، ولم يكن هذا التدخل من أجل حماية الأسد فحسب، وإنما يكمن الهدف الأساسي فيه لإيجاد طريق روسي نحو شرق البحر الأبيض المتوسط، وخصوصا من أجل إيجاد ممر للطاقة في الجنوب، حتى يتم التحكم بمصادر الطاقة التي تمر عبر حلب واللاذقية، وكل هذه الأهداف تمس تركيا بصورة مباشرة.

جاء التدخل الروسي في سوريا بعد اجتماعات الأمم المتحدة، ويعلق محللون على ذلك بتعليقات مختلفة، فمنهم من يرى أنّ هذه بداية حرب باردة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، لكنني أعتقد أنّ هذا التحليل بعيد عن الواقع، وذلك لأنّ أمريكا حاليا لا يمكنها الدخول في مثل هذه الاستراتيجية، ونستطيع إدراك ذلك من خلال البعد الاقتصادي أيضا، فقد تراجعت قوة الولايات المتحدة الأمريكية منذ أزمتها التي عاشتها عام 2008، وهذا فتح المجال أمام قوى الشرق الصين واليابان وغيرها من التقدم أكثر للأمام، واليوم نتابع سياسة رئيس وزراء اليابان "آبي" الذي رفع رأسه وبدأ يتبع سياسة مستقلة عن تبعات الحرب العالمية الثانية، وستتجه اليابان خلال الفترة القادمة إلى تعديل القوانين المتعلقة بالتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكل هذه الظروف فتحت المجال واسعا أمام روسيا، بعد تراجع قوة أمريكا.

المشكلة لا تكمن في أوباما، وإنما تكمن في تراجع حقيقي لقوة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا كان واضحا من خلال التدخل والثقل العسكري الذي أحدثته روسيا في أوكرانيا ولاحقا في سوريا، وبذلك تكون خرجت أمريكا من عهد الهيمنة والسيطرة كقوة إمبريالية وحيدة في العالم، والذين يربطون سبب حدوث بفشل أوباما أو بخوفه مخطئون تماما، لأنه لا يتوجب عليهم انتظار أمريكا كما كانت في عهد بوش. كما أنّ الذين يعتقدون أنّ روسيا تسعى إلى تأسيس إمبراطورية جديدة مخطئون أيضا، فروسيا تقوم ما قامت به في السابق، تسعى للوصول إلى أوروبا، وتتجاوز كل المعيقات التي تحيل دون تحقيق هدفها هذا، لتفتح المجال أمام اقتصادها وأسواقها ولتسيطر أكثر على مصادر الطاقة.

ولهذا لن تتخلى روسيا عن أوكرانيا وسوريا، وذلك لأنها تدرك بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية لن تستطيع التدخل، وترى تراجعها في المنطقة وانسحابها منها، وهذا الأمر واضح، فأمريكا حاليا لا تستطيع رفع نسبة الفائدة واتباع هذه السياسة الاقتصادية، وهي الآن أيضا لا تستطيع التدخل في الشرق الأوسط كما كانت تفعل في عهد بوش.

سوف تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى المحافظة على تأثيرها في المنطقة من خلال التصالح معها، وهذه المصالحة تشمل روسيا وإيران، حتى وصل الأمر بأن ترى أمريكا إيران كشريك أفضل من إسرائيل في المنطقة، لأنّ وجود إيران باتفاق معها، سيقلل من تبعية أمريكا لروسيا في مجال الطاقة إلى الحد الأدنى.

تركيا: التاريخ والحاضر

أما فيما يتعلق بتركيا، فالولايات المتحدة الأمريكية هي الأكثر سعادة بتصادم روسيا وتركيا، ومثال ذلك ما حصل عام 1853 في حرب القرم، حيث كانت هذه الحرب بداية النهاية للإمبراطورية العثمانية والروسية.

روسيا لن تكرر هذا الخطأ التاريخي، لكن محاولتها للسيطرة على المحيط الاقتصادي الهام في اللاذقية وحلب وانفتاحها على مصادر الطاقة في شرق المتوسط أصبح موضوع صدام بين البلدين، ولن تستطيع تركيا تفعيل دورها في هذه المسألة إلا من خلال تحقيق استقراراها الداخلي، وهذا ما تعمل عليه تركيا في الوقت الراهن.

يتوجب على تركيا أن تستخدم نقاط قوتها بصورة جيدة، فممرات الغاز الجنوبية وممرات الطاقة الأخرى أصبحت اليوم ذات أهمية أكثر من أي وقت مضى، ولا شك أنّ خرق الطائرة الروسية للأجواء التركية يذكرنا بقرار سحب صواريخ "باتريوت" الدفاعية الجوية، وندخل هنا في نظرية المؤامرة.

عن الكاتب

جميل إرتم

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس