حسين أبو سرحان - خاص ترك برس

استطاع أحمد داود أوغلو، رئيس حزب العدالة والتنمية، قيادة حزبه بنجاح خلال الفترة الماضية، وكان لسياسته الهادئة في حملته الانتخابية أثرا إيجابيا انعكس على تصويت الناخبين في انتخابات 1 تشرين الثاني/ نوفمبر، لكن فضل النجاح الكبير الذي حققه الحزب يعود في الواقع إلى زعيمه الروحي، رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان.

نعلم جميعا أنّ أردوغان، لم يترك حزب العدالة والتنمية بصورة فعلية بعد فوزه في انتخابات رئاسة الجمهورية، وإنما بقي ناصحا، بل موجها له، ويرسم سياسته التي يجب أنْ يتبعها حتى يحقق أهدافه، وإذا كان حزب العدالة والتنمية قد فشل في انتخابات 7 حزيران/ يونيو الماضي، وذلك لكونه لم يستطع تشكيل الحكومة بمفرده لأول مرة منذ 13 عاما، فإنه قد حقق نجاحا يوم أمس لم يتوقعه أحد، فكيف استطاع أردوغان تحقيق هذه القفزة الهائلة خلال فترة 5 أشهر؟

علينا أولا العودة إلى انتخابات 7 حزيران، لنتذكر ما قام به حزب العدالة والتنمية قبل تلك الانتخابات، التي وضع أردوغان فيها هدفا متقدما جدا أمام حزب العدالة والتنمية، والذي تمثل بالحصول على 400 مقعد في البرلمان، كي يستطيع تغيير دستور البلاد وينتقل بها إلى النظام الرئاسي، وقد كان هذا بمثابة حمل كبير ألقاه أردوغان على كاهل أحمد داود أوغلو.

كما ارتكزت السياسة الإعلامية، والحملة الانتخابية، التي رسمها أردوغان لحزب العدالة والتنمية في تلك الانتخابات، على التحريض ومواجهة حزب الشعوب الديمقراطي بكل قوة، وذلك بهدف إسقاط الأخير تحت العتبة الانتخابية البالغة 10%، لأنّ حصول العدالة والتنمية على ما يقارب 400 مقعد في البرلمان، كان مرتبطا بصورة مباشرة بعدم تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي نسبة الحسم.

كانت نتائج انتخابات 7 حزيران صادمة لحزب العدالة والتنمية، حيث لم يستطع الحزب سوى الحصول على 258 مقعدا، فيما تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي نسبة الحسم بفارق مريح وحصل على 13.1%، وبذلك فشل العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة بمفرده، فضلا عن أنْ يستطيع تغيير دستور البلاد والانتقال للنظام الرئاسي.

رسم أردوغان في اليوم التالي لتلك الانتخابات، المشهد السياسي القادم، وأشار في تصريحات بتاريخ الثامن من حزيران، بأنّ التوجه إلى انتخابات مبكرة هو الحل لاستعادة "الاستقرار السياسي" في البلاد، وأنّ الحديث عن جهود تشكيل حكومة ائتلافية هو مضيعة للوقت، وتلقى أردوغان حينها انتقادات واسعة من مؤيديه ومعارضيه على حد سواء، كونه لم يمنح أحمد داود أوغلو الفرصة لتشكيل حكومة ائتلافية، وإنما أعلن عن فشل تلك الجهود قبل بدئها، وقد ثبت يوم أمس أنّ أردوغان على حق.

كان إصرار أردوغان على إجراء انتخابات مبكرة (أو تكرار الانتخابات كما كان يقول) واضحا، وبعد ذلك بدأ العمل الفوري على إعادة ترتيب أوراق حزب العدالة والتنمية، وبدء العمل من أجل الفوز في الانتخابات المبكرة، حيث عمل على:

1-   تحويل الحرب الإعلامية ضد حزب الشعوب الديمقراطي إلى حرب عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، بعدما قام به الأخير من عمليات ردا على مجزرة سوروج في شهر يوليو/ تموز الماضي، وقد ساهم هذا في تراجع نسبة التأييد لحزب الشعوب الديمقراطي في الأوساط الكردية المحافظة، حيث تراجع الحزب عن جهوده السياسية وارتكز إلى استغلال أعمال العنف والارهاب.

2-   كما كسب حزب العدالة والتنمية، من خلال الحملة العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، نسبة تأييد أكبر في أوساط المؤيدين لحزب الحركة القومية، وفي أوساط القوميين الذين يقفون ضد المصالحة مع الأكراد، خصوصا مع سقوط قتلى من الجنود الأتراك خلال هذه العمليات.

3-   عمل الحزب على ضم شخصيات من حزب الحركة القومية على قوائمه الانتخابية، وهذا الأمر قد ساهم – ولو بصورة نسبية - في زيادة إضافية لرصيد العدالة والتنمية من أوساط القوميين.

4-   ارتكزت الحملة الانتخابية التي قادها أحمد داود أوغلو، على وعود تمس حياة المواطنين بصورة مباشرة، والتركيز على المشاريع الحيوية التي تعمل الحكومة التركية على تحقيقها خلال السنوات القادمة، وكانت حملته الانتخابية هادئة، وتجنب خلالها الحديث عن أهداف كانت قد أخذت الحيّز الأكبر في حملته الانتخابية قبل انتخابات 7 حزيران، مثل تغيير الدستور والانتقال لنظام رئاسي.

وبذلك استطاع حزب العدالة والتنمية زيادة نسبة التأييد له من 40.9% في انتخابات 7 حزيران، إلى 49.5% في انتخابات 1 تشرين الثاني/نوفمبر، وقد توقع أردوغان هذه النتائج في اليوم التالي لانتخابات 7 حزيران، واستطاع تحريك أحجار الشطرنج بصورة مثالية لتحقيق هذه النتائج، والتي ستكون سببا في عودة الاستقرار إلى المشهد السياسي التركي.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس