جلال سلمي - خاص ترك برس

بعد تأزم الأوضاع السياسية وتفاقم الأطماع الجيوسياسية الإيرانية الشيعية والأمريكية الروسية، في سوريا واليمن والعراق ولبنان وغيرها من الدول العربية، أصبحت أقطاب المحور السني، وعلى رأسهم تركيا والمملكة السعودية العربية، بحاجة ماسة إلى خطط توافقية مُشتركة للتصدي بكل جِد لهذه الهجمات الجيوسياسية التي تهدف إلى التوسع والتمدد على حساب مصالح دول الشرق الأوسط جمعاء.

يشير البروفسور في قسم العلاقات الدولية التابع لجامعة عزت بانت فيسل أيهان، في دراسة له بعنوان العلاقات التركية السعودية ما بين الماضي والحاضر نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، إلى أن "العلاقات التركية السعودية في ظل الملك عبد الله الراحل كانت مُعقدة ومتضادة وتنافسية، لا سيما بعد تبني تركيا وقيادتها الموقف الداعم للثورات العربية لاقتناعها بعدالتها وخطورة دعم الأنظمة الدكتاتورية على المنطقة، ولكن على صعيد مضاد تبنت المملكة العربية السعودية موقفًا مضادًا ماديًا  أو معنويًا للثورات العربية بذريعة قلقها من احتمالية انتقال لهيبها إلى الداخل السعودي، الأمر الذي قام بدوره بإشعال فتيل الحروب الداخلية الشديدة في اليمن وسوريا وليبيا وغيرها الكثير من دول الربيع العربي وأفسح المجال لإيران لزيادة حجم نفوذها في المنطقة".

ويضيف أيهان قائلًا  "بعد الدعم السعودي الواضح للانقلاب العسكري المصري والاعتراض التركي الشديد عليه بدأ الاحتدام والخلاف بين الدولتين تزيد شعلته وتتوسع رقعته، استمر هذا الاحتدام إلى أن انتقل الملك عبد الله إلى مثواه الأخير وتولى الملك سلمان، المُعروف بواقعيته وبراغماتيته السياسية، مقاليد الحكم، هنا بدأ الجميع يصف هذا التغير لملامح الوجه السعودي بأنه إيجابي وسيصب في صالح تقارب أقطاب المحور السني بشكل أكبر وأوسع".

ورأت الجزيرة ترك، في تقرير لها بعنوان "تركيا والمملكة العربية السعودية في ظل التغيرات الجارية في منطقة الشرق الأوسط "،  أن هناك فصلًا جديدًا في العلاقات التركية السعودية قد بدأ بعد وجود دوافع مُلحة للتعاون بين الطرفين، لا سيما بعد اتساع رقعة التغلغل الإيراني المُفرط، في منطقة الشرق الأوسط، دون ارتداع أو خوف".

وتستشهد الجزيرة ترك، في تقريرها، حول ميلاد فصل توافقي جديد بين المملكة العربية السعودية وتركيا، بتضافر جهود الطرفين بشكل مشترك في دعم المقاومة الشعبية في اليمن والتأكيد على نفس النقاط في  لقاءات فيينا الأخيرة المتعلقة بالقضية السورية.

ويتناول الباحث السياسي عثمان أتالاي محاور الفصل الجديد الذي يجمع تركيا والسعودية من خلال مقال سياسي بعنوان "محاور جديدة في العلاقات التركية السعودية" نُشر بتاريخ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 على الصفحة الرسمية للموقع الإخباري التركي"تايم ترك"، ويرى أتالاي في مقاله أن "الملك سلمان أكثر عقلانية وواقعية من الملك عبد الله، وتعود هذه الخبرة الواقعية لتوليه منصب وزير الدفاع لسنوات طويلة وبالتالي إلمامه الواسع بالشؤون الحساسة للمنطقة، كما أن التوغل والتمدد الإيراني الذي طال العراق وسوريا والبحرين واليمن ولبنان جعل القيادة السعودية تتجه مضطرةً لإعادة ترتيب أوراقها وخططها الخاصة بما يجري في المنطقة".

ويؤكد أتالاي بأن "الاتفاق النووي الذي توصل إليه الطرفين، الأمريكي والإيراني، زاد من حدة التوتر والشعور بالخطر لدى المملكة العربية السعودية التي شعرت بضرورة اتخاذ خطوات عسكرية عملية، في بعض المناطق في منطقة الشرق الأوسط، أمام الغطرسة الإيرانية، فشرعت بعملية "عاصفة الحزم" العسكرية بتاريخ 26 آذار/ مارس 2015، ولم تتوانى تركيا عن إعلان دعمها السياسي والإعلامي لهذه الحملة، التي بينت تركيا بأنها تهدف إلى إرساء مطالب الحرية والعدالة للشعب اليمني".

وأكد الخبير العسكري والاستراتيجي عبد الحميد عمران، في لقاء صحفي له مع موقع مصر العربية، بتاريخ 28 شباط/ فبراير 2015، أي قبل زيارة أردوغان الأولى للسعودية، عقب تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، بأيام قليلة، بأن "الزيارة التي سيقوم بها أردوغان إلى السعودية، لأول مرة، عقب تلقيه دعوة رسمية من الملك سلمان، تحمل عدة أهداف استراتيجية ترسم العلاقات المُشتركة الجديدة بين الطرفين"، مبينًا أن "هذه الأهداف الأساسية يمكن ذكرها بالشكل التالي: توطيد العلاقات بين الرياض وأنقرة بعد تدهورها الحاد عقب ثورات الربيع العربي، بناء تحالف سني لردع وتحجيم التمدد الإيراني الشيعي، وضع محاور عسكرية لدعم المعارضة ضد نظام بشار الأسد".

بدوره أشار الخبير الاستراتيجي والدكتور الأكاديمي بشير عبد الفتاح، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاقتصادية الاستراتيجية، إلى أن "الاتفاقيات المُبرمة بين تركيا والسعودية، في الفترة الحالية، ليس عابرة ومحدودة، بل هي استراتيجية ومتنوعة المجالات".

وتابع عبد الفتاح قائلًا إن "استراتيجية هذه الاتفاقيات جاءت في ظل القدر المشترك لكلا الطرفين، لا سيما بعد ازدياد حالة عدم الاستقرار في المنطقة، وطفو نيران الحروب الطائفية شديدة اللهب على السطح”.

وحسب عبد الفتاح، فقد أدى التقارب الثنائي إلى نتائج مثمرة في سوريا، إذ استطاع جيش الفتح، المدعوم الأول من قبل الثنائي التركي السعودي، السيطرة على  إدلب، كما تم تحقيق تمدد ملحوظ لكافة فصائل المعارضة السورية المقاتلة في الميدان.

وفي ضوء قمة الدول العشرين، التي انعقدت في مدينة أنطاليا التركية، ما بين 15 إلى 16 نوفمبر، حظيت مجريات القمة بالعديد من الإشارات البروتوكولية التي أكدت على دفء وتقارب العلاقات التركية والسعودية، ويُذكر من هذه الإشارات؛ استقبال أردوغان الخاص للملك سلمان واللقاء معه على مائدة طعام الغداء، في جو استثنائي لم يحظ به أي رئيس مُشترك بالقمة.

كما أن تبادل الشكر والعرفان على تويتر كان أحد المؤشرات البروتوكولية الهامة التي تؤكد على دفء العلاقات الثنائية المشتركة بين البلدين.

الإشارات البروتوكولية الدافئة تحمل في طياتها طابعًا جديدًا للعلاقات التركية والسعودية، وعلى مايبدو يتسم هذا الطابع الجديد بالاستراتيجية والتوافق الثنائي للعلاقات المتبادلة بين الطرفين، هذا الاتسام سيصبح أكثر اتضاحا ً إذا طرأ عليه تحرك واقعي ملموس في الفترة المُقبلة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!