سمير صالحة - خاص ترك برس

طالما أن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو دعا روسيا للالتزام بمحاربة "داعش"، والكف عن مهاجمة القرى التركمانية في سوريا. وأكد أن أنقرة أبلغت السفير الروسي في تركيا الذي تم استدعائه لمبنى الخارجية وتذكيره أن تدخّل روسيا في سوريا جاء في إطار مكافحة داعش وضرورة تقيدها بذلك. وأن الحكومة التركية لديها معلومات تؤكد مشاركة الطيران الروسي، بالهجوم على منطقة "بايربوجاق" ذات الغالبية التركمانية في ريف اللاذقية، فإن تركيا لا يمكن لها الاكتفاء بوصف الهجمات التي تستهدف التركمان بأنها تُظهِر مدى دموية النظام السوري ووحشيته.

الأخبار المحزنة القادمة من جبل التركمان الذي يضم 27 قرية تركمانية تجمع ما يزيد عن 80 ألف إنسان، والذي تحول إلى هدف مباشر للطيران ومدافع البحرية الروسية لا بد أن يقابلها الرد التركي الذي سيكون حتما أبعد من موضوع مسارعة إدارة الطوارئ والكوارث التركية بالتعاون مع الهلال الأحمر التركي لإرسال المساعدات الإنسانية لتركمان ريف اللاذقية -بايربوجاق- الذين نزحوا إلى القرى المجاورة للحدود التركية، نتيجة القصف الروسي المكثّف الذي تتعرّض له منطقتهم.

ولا بد أن تكون هناك استراتيجية عسكرية أمنية تركية عاجلة لوقف استهداف تحالف قوات النظام السوري المدعومة بغطاء جوي روسي، ومجموعات مقاتلة من عناصر حزب الله والوحدات الإيرانية لجبل التركمان بعدما سيطرت على أجزاء كبيرة من جبل الزاهية الاستراتيجي بمنطقة "بايربوجاق".

قلناها أكثر من مرة إن نتائج اجتماعات قمة مجموعة العشرين وطريقة تعاملها مع مسار ملف الأزمة سورية هي التي ستحسم موضوع سيناريو التحرك التركي باتجاه مشروع "المنطقة الآمنة"، التي تسعى تركيا لإقامتها في الشمال السوري، حيث يبدو هذه المرة أن مؤشرات جدية بهذا الاتجاه تتبلور من خلال زيادة روسيا من تدخلها العسكري المباشر لقطع الطريق على المشروع التركي ورد أنقرة عبر عمليات عسكرية، باشرتها فصائل معارضة سورية تنضوي تحت لواء "الجيش السوري الحر" ضد تنظيم داعش، بدعم جوي ومدفعي تركي وبتنسيق مع واشنطن والرياض والدوحة.

هل سيكون هناك تدخل بري تركي في سوريا هذه المرة؟

الخيارات تناقش على الطاولة، وما تزال الجهود مستمرة في دراسة تفاصيل إنشاء المنطقة العازلة في سوريا بدعم ومساندة أمريكا. لأن أهم شيء الآن هو القدرة على قراءة واستشراف الاحتمالات السياسية والعسكرية المستقبلية والتأثير في صناعتها.

المطلوب الآن: استيعاب التدخل الروسي الذي صعّب الحسابات التركية والغربية. وعرقلة مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا الذي يلعب ورقة داعش في علاقته مع الجميع. ومعرفة حقيقة الموقف الأمريكي الذي يدعم ويساند الاتحاد الكردي ويراهن على دوره في إيصال واشنطن إلى ما تريده في سوريا.

لا خيار آخر أمامنا اذا ما كانت قوات التحالف الرباعي بقيادة روسيا متمسكة بجر تركيا إلى المصيدة السورية طالما أنها تعمل على حرمانها من جميع ما تدعو إليه وتطالب به وتحذر منه في الملف السوري.

تسهيل دخول قوات الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى غرب الفرات. استبدال داعش التي أدت مهمتها هناك بتسهيل دخول وحدات النظام السوري إلى جبل التركمان وإفشال مشروع المنطقة الآمنة الذي هو في الطريق إلى الظهور بتفاهم تركي أمريكي إلا إذا كانت واشنطن تخادع وتناور وستتخلى عن أنقرة في آخر لحظة.

قرار مجلس الأمن الدولي الأخير يمكن تفسيره تركيا على أنه الفرصة التي كانت تبحث عنها تركيا للتحرك العسكري وهي حصلت على ما تريد بالتنسيق مع حلفائها وشركائها في حل القضية السورية.

القلق التركي ليس بسبب موجات النزوح أو اللجوء التركماني بل بسبب محاولات إفراغ المنطقة الاستراتيجية هناك وتقاسمها بين القوات الكردية لتتقدم وتنتشر وبين قوات التحالف الرباعي الذي يعد لتوسيع رقعة حدود اللاذقية تمهيدا لإعلان قرار التقسيم والدويلات الثلاث في سوريا ربما.

أنقرة لا تريد أن تقع بين فكي كماشة داعش و"بي يي دي" المتعاونة مع النظام في مشروع إعادة بناء وتقاسم شمال غرب سوريا في إطار مخطط تقسيم سوريا بأكملها.

الرد التركي لا بد أن يكون أبعد من التنديد والتظاهر والاستنكار وتوجه مجموعات من المتطوعين القوميين الأتراك للدفاع عن تركمان سوريا.

إذا ما كانت موسكو قد التزمت بآخر بنود اتفاقية فيينا ولقاءات الرياض الأخيرة وتريد أن تكون جزءا من الحل الدولي فلماذا حركت جيوشها وسفنها وشجعت النظام على التصعيد على جبهة شمال سوريا بهذا الشكل؟

روسيا تقول إنه لا حل في سوريا لا تتبناه وتعتمده هي، وواشنطن لا تقول أي شيء سوى تكرار مواقف قديمة قد تكون غايتها منح روسيا الوقت والفرص التي تريدها هناك.

قبل سنوات كانت أنقرة تعترض الطائرات الروسية وتطالب بهبوطها للتفتيش بحجة نقل السلاح إلى النظام في سوريا، هذه المرة روسيا بجنودها وطائراتها وسفنها في سوريا تقاتل نيابة عن النظام.

اتفاقية مونترو للمضائق لابد أن تدخل حيّز التنفيذ فروسيا أصبحت طرفا في الحرب في سوريا وعبور سفنها المياه الوطنية التركية لقصف التركمان وقوات المعارضة السورية والجيش الحر لم تعد مسألة يمكن تجاهلها بعد هذه الساعة.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس