د. سمير صالحة - خاص ترك برس

أهم فوائد قمة العشرين في أنطاليا بالنسبة لأنقرة والرياض والدوحة كانت ربما النجاح في وضع الملف السوري بشقيه السياسي والأمني على رأس جدول الأعمال كمادة أولى للنقاش. لكن أبرز ما تأكد هناك أيضا كان انكشاف حجم "التفاهم" الأمريكي الروسي حول مسار ومستقبل الأزمة السورية رغم حرب التراشق بالوسائد التي دارت بينهما في محاولة للإيحاء بوجود حالة من التباعد والتعنت والتصلب.

ما يقوله وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو حول أن بشار الأسد لن يترشّح للانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد تشكيل الحكومة الانتقالية وسيسلم صلاحياته الكاملة بعد 6 أشهر على انطلاق المرحلة الانتقالية التي تبدأ في الأول من كانون الثاني/ ديسمبر 2016 حيث ستستمر الحكومة في إدارة البلاد لمدة 18 شهرا، يتعارض مع تفسيرات وزير خارجية روسيا لافروف ومواقف نظيره الأمريكي كيري حول عدم حسم مسألة رحيل الأسد وترك ذلك ليقرره الشعب السوري.

ما قاله كيري حول أن بلاده ستبدأ عملية مع تركيا لاستكمال تأمين حدود شمال سوريا وهي منطقة استغلها تنظيم الدولة الإسلامية كطريق مربحة  للتهريب والانتشار وأن الحدود الكاملة لشمال سوريا - أغلق 75 في المئة منها الآن - ونحن مقبلون على عملية مع الأتراك لإغلاق 98 كيلومترا متبقية فسره السفير الأمريكي في تركيا جون باس على أنه لا يعني الاستعداد للتدخل العسكري ضد النظام السوري بل هو مجرد التنسيق لقطع الطريق على موارد داعش لا أكثر، وهو في الحقيقة ليس كلاما جديدا بل يعكس حالة التردد والتباطؤ في الموقف الأمريكي، خصوصا وأن وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاووش أوغلو كان قد أعلن في شهر آب/ أغسطس المنصرم وبعد لقائه مع كيري نفسه أن بلاده ستبدأ قريبا عمليات عسكرية شاملة وفعالة ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش في شمال سورية.

فما هو الجديد في كلام كيري إذا؟ الجديد هو حديثه عن أن زيادة التنسيق مع روسيا في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية يستلزم تقدما في العملية السياسية لإنهاء الحرب السورية وأن تفسيرات قرارات فيينا أمريكيا وروسيا تختلف عما تقوله أنقرة، مثلا في مواد خطة العملية السياسية في سوريا التي تفضي إلى انتخابات خلال عامين لكن مسألة مصير الأسد فيها ما زالت غامضة. واشنطن وموسكو اتفقتا كما يبدو على إعطاء الأولوية لإزاحة داعش، وإن الفراغ الجغرافي والسياسي والأمني الذي سيتولد عن ذلك هو الذي سيحدد مصير النظام السوري ويرسم خارطة المستقبل السياسي في سوريا.

فيما كانت حروب السيناريوهات تتقدم حول نتائج قمة أنطاليا وما ستقدمه لحل الأزمة السورية، خرج علينا فجأة صبري أوك عضو الهيئة القيادية لمنظومة المجتمع الكردستاني، وهو الذي اختار الصمت لأسابيع طويلة بعد انطلاق العمليات العسكرية التركية ضد قواعد ومجموعات الحزب في تركيا وقنديل ليس ليعقب على هذه المواجهات ويهدد أنقرة ويتوعدها، بل ليقول إن الحل الأنسب في سوريا اليوم هو تقسيمها إلى 3 كيانات كردية وسنية وعلوية في إطار نظام فدرالي لأنه التصور العملي الأقرب والممكن على ضوء مسار الأزمة هناك.

كلام حزب العمال الكردستاني الشريك الاستراتيجي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا المدعوم أمريكيا وروسيا وأوروبيا ومصريا لا يمكن تلقيه على أنه "شطحة" رأي شخصي خصوصا عندما يأتي وسط كل هذا الكم من المواقف والآراء والتحليلات المتناقضة والغامضة ليساعدنا نيابة عن البعض لتحديد "المسار الصحيح" لتقدم الملف السوري.

كلام اوك يعني:

لعبت روسيا باحتراف أوراق التفجيرات في بيروت وإسقاط طائرتها في سيناء وهجمات باريس واتهام البعض في الوقوف وراء داعش لتضغط على المشاركين في قمة أنطاليا في مطلب تأجيل الدعوة لرحيل الأسد والوصول إلى كل ما تريده في سوريا ولبنان والعراق.

وأن استعدادات اوباما للقمة التركية شملت تحريك معركة سنجار وتوسيع رقعة العمليات في الرقة وتضييق الخناق على داعش، وأن رفض واشنطن لفكرة المنطقة الآمنة والتمسك بالتنسيق التركي الأمريكي لمحاربة داعش وتجاهل قضية مصير الأسد رافقه هدية أمريكية لأنقرة عبر طمأنتها في موضوع غرب الفرات.

وأن أنقرة وصلت إلى ما تريد في مطلب منع التمدد الكردي الى غرب الفرات وأن الاكراد قبلوا ذلك أيضًا.

وأن الاتفاق الأمريكي الروسي في خطة التحرك الجديدة في سوريا تعني التقدم باتجاه مشروع تفتيت وتجزئة سوريا.

وأن العملية العسكرية التي تحدث عنها كيري هي في الأساس عملية أمريكية روسية قبل أن تكون أمريكية تركية وأنها تلعب ورقة داعش لتساهم في نقاش سيناريو التقسيم في سوريا تماما كما حدث في العراق قبل عقد من الزمان.

وأن التخويف بفزاعة داعش لم يكن سوى فصلا في مسرحية تفعيل إنهاء وحدة سوريا. وأن مهمة داعش كانت منذ البداية تحريك مشروع تفتيت هذا البلد.

وأن كل من يحاول إطالة عمر داعش بعد الآن أو لعب ورقتها لمنع مخطط التقسيم سيحترق مع داعش ويدفع ثمن الوقوف في وجه تيار التجزئة في سوريا.

هل هي الحرب على داعش حقا أم هي مقدمة للإعلان عن "صفقة سوريا" الخطوة الثانية في الشرق الأوسط الجديد؟

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس