جلال سلمي ـ خاص ترك برس

وقعت حادث إسقاط الطائرة الروسية من قبل القوات العسكرية التركية، يوم الثلاثاء الموافق 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وكانت الذريعة في قضية إسقاطها "اختراقها للأجواء التركية"، حسب الرواية التركية.

بإسقاط الطائرة "أس يو - 24" من قبل الطائرات الحربية التركية تحول التوتر الموجود على الحدود التركية السورية إلى أزمة مباشر ما بين تركيا وروسيا، وبعد سقوط الطائرة، بدأ الطرفان بالدفاع عن أنفسهم وتبرير مواقفهم بتوضيحات وتصريحات متضادة ومتناقضة بشكل كبير.

فمن ناحية تدعي تركيا بأن إسقاط الطائرة جاء في إطار الدفاع عن حقها في السيادة الوطنية التي كفلها لها القانون الدولي، أما روسيا فترى أن الطائرة تم إسقاطها فوق الأراضي السورية، ولم تعتدي الطائرات الروسية على السيادة التركية. هذه الادعاءات المتضادة تزيد من تعقيد النظرة القانونية للقضية.

من ناحية قانونية يرى الباحث القانوني والسياسي عبدالله تونج، الباحث القانوني في معهد أنقرة للدراسات السياسية والاقتصادية والحقوقية، في دراسة أكاديمية بعنوان "حرب القانون وإسقاط الطائرة الروسية" نُشرت على الموقع الرسمي لمعهد أنقرة للدراسات السياسية والاقتصادية والحقوقية، أنه "في حال تم النظر إلى الأزمة من منظور أوسع، يمكن القول إن الأزمة بدأت بين الطرفين، في حزيران/ يونيو 2012، حيث تم إسقاط طائرة "أف ـ 4" التركية من قبل الجيش السوري التابع للنظام".

ويتابع تونج مبينًا أنه "غداة هذه الحادثة، غيرت تركيا قواعد التحرك العسكري على حدودها مع سوريا، إذ اتخذت قرار "الرد المتبادل بالمثل" وقرار "الرد على الاشتباك المُتعمد" وعلقت مبدأ "التسامح مع الاختراق الخاطئ والمفاجئ للدول الأجنبية للحدود الوطنية" وهو ما يُدعى بمبدأ "أد هوك" في اتفاقية فينا العسكرية، وعلى هذا الأساس أسقطت تركيا، في آذار/ مارس 2014، طائرة سورية من نوع ميج ـ 23، وفي أيار/ مايو 2015، أسقطت هليكوبتر أخرى، هاتان الطائرتان كانتا قد اخترقتا الأجواء السيادية لتركيا".

وفيما يخص إسقاط الطائرة الروسية قبل عدة أيام، بالتحديد يوم الثلاثاء الموافق لـ24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، يُشير الباحث السياسي متين غورجان، في دراسة أكاديمية بعنوان "المخاطر المتبادلة على الحدود التركية السورية تتفاقم" نُشرت في موقع المونيتور، إلى أن "القوات التركية المسلحة أعلنت من خلال صفحتها الرسمية بأنها "حذرت الطائرات الحربية الروسية التي اخترقت الأجواء التركية بالقرب من مدينة هاتاي، ما بين 3 إلى 4 تشرين الأول/ أكتوبر، أكثر من مرة".

ويُضيف غورجان مبينًا أنه "على صعيد سياسي ودبلوماسي، أكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، خلال مؤتمر صحفي بخصوص اختراق الطيران الروسي للأجواء التركية في ذلك الوقت، بأنه "من باب الاحترام للعمق النوعي والاستراتيجي التي تتمتع به العلاقات التركية الروسية، لم يتم ضرب الطيران الروسي المُخترق للأجواء التركية، ولكن في حال تتكرت الحادثة لن تتوانى تركيا في الدفاع عن سيادتها الوطنية".

ويذكر غورجان أنه "تم تقديم الاعتذار الرسمي من قبل وزارة الخارجية الروسية على عملية الاختراق التي تمت للأجواء التركية مابين 3 إلى 4 أكتوبر، وبينت الوزارة، في ذلك الحين، بأن عملية الاختراق تمت في إطار "الإهمال التكتيكي" وأكدت بأن هذه الحادثة لن تتكرر مرة أخرى، ولكن على الرغم من هذه التصريحات "الدبلوماسية الرسمية" تكررت الحادثة وتم اختراق الأجواء التركية، ولكن هذه المرة لم تكن كسابقاتها، بل كانت مختلفة، حيث قامت تركيا بالفعل بتطبيق قواعد "الاشتباك المُعتمدة".

وفي سياق متصل، أوضحت قناة أن تي في التركية، في تقرير صحفي متصل بذات الشأن، بأن "القوات المُسلحة التركية نوهت إلى أنه " في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق لتاريخ 24 نوفمبر 2015، تم تثبيت اختراق جوي "لطائرتين مجهولتي الهوية" فوق أجواء السيادة التركية، استمر اختراق هاتين الطائراتين للأجواء التركية ما يقارب الخمس دقائق، وخلال الخمس دقائق تم تحذيرهما، لأكثر من عشر مرات، بأنهما تُحلّقان داخل إطار السيادة التركية وعليهما الانسحاب بأسرع وقت ممكن، ولكن الطائراتان لم تستجيبا للتحذيرات، فاضطرننا، اعتمادًا على إعلان تركيا لاستخدامها "قواعد الاشتباك المُتعمدة" في حال تمت أي عملية اختراق، لإطلاق طائرة تركية من نوع أف ـ 16، وتولت هذه الطائرة مهمة اسقاط الطائرتين وتمكنت من إسقاط إحداهما".

وتابعت القناة قائلة: "تركيا لم تتنتهك أي مادة قانونية في عملية إسقاط الطائرتين بل اعتمدت بشكل كامل على القواعد القانونية الدولية في تعاملها مع الطائرتين،" وبينت أن "السفير التركي لدى الأمم المتحدة خالد شفيك قام بتسليم جميع الأدلة والبراهين والمواثيق التي تُثبت التزام تركيا بقواعد القوانين الدولي، للأمانة العامة للأمم المتحدة".

وحسب توضيحات القوات التركية العسكرية، فقد كانت التصويرات التركية للحادثة بالشكل التالي:

ـ بعد اختراق الطائرات التي كانت مجهولة الهوية وقتها، للأجواء التركية، تم تحذيرها عشر مرات خلال خمس دقائق، وطُلب منها الانسحاب الفوري.

ـ لم تتم الاستجابة للتحذيرات المُطلقة من طرفنا واستمرت إحدى الطائرات في اختراقها للأجواء التركية.

ـ اضطررنا للتدخل العسكري، اعتمادًا على قواعد "الاشتباك المُتعمد" وتم إسقاط الطائرة المُخترقة للأجواء من قبل طائرة تركية من طراز أف 16.

ـ التدخل العسكري ضد الطائرة تم فوق الأجواء التركية أما الطائرة فقد سقطت فوق الأراضي السورية بالقرب من الحدود التركية.

وعلى صعيد مضاد؛ أكدت وزارة الدفاع الروسية خلال توضيحاتها التي نشرت لتوضيح ملابسات الحادثة، بأن "طائرات سوخوي ـ 24 الروسية كانت تُحلق على ارتفاع 6 آلاف متر بمسافة تبعد عن الحدود التركية بمقدار 1 كم، وتم إسقاط إحدى الطائرات، من قبل سلاح الجو التركي، أثناء تحليقها فوق الأجواء السورية".

بعد حدوث تناقض بين الرواية التركية والروسية، قامت القوات العسكرية التركية بنشر بعض الدلائل التي تؤكد اختراق الطائرة للأجواء التركية مثل؛ تقارير الرادار الذي قام بالتقاط الطائرة، تسجيل الصوت الخاص بالتحذير وتوقيته، وكان تسجيل الصوت الخاص بالتحذير كالتالي: "القوات الجوية التركية تتحدث، أنتم الآن تقتربون إلى الأجواء التركية، يجب تغيير وجهتكم نحو الجنوب فورًا".

ولكن حسب ما أوردته قناة أن تي في؛ فإن وزارة الدفاع الروسية رأت أن "تقارير الرادار التركية مُزيفة تم إعدادها من خلال برامج وسائط مُتعددة".

ونقلت قناة بي بي سي البريطانية عن الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ قوله إن "قوات الناتو تمكنت من تثبيت اختراق الأجواء الروسية إلى الساحة الجوية التركية".

وألمحت القناة بأن المُتحدث الرسمي باسم القوات التحالف الدولي للحرب ضد الإرهاب في سوريا كول ستيف وارن بأنه "سمع بأم أذنيه التحذيرات التركية المُتكررة للطائرات المُخترقة لأجوائها".

وبالعودة إلى الباحث الحقوق عبدالله تونج، يطرح تونج الجانب الحقوقي لقضية إسقاط الطائرة في محور تساؤلي يحتوي على سؤالين هما؛ هل يحق لتركيا الدفاع على أجوائها في حين تعرضت للاختراق الأجنبي؟ ماهي الحدود الخاصة بهذا الحق؟

يُجيب تونج على هذين السؤالين بالقول "حسب القانون الدولي؛ يحق للدول القيام بكافة الإجراءات التي يرونها مفيدة وجيدة لحماية سياداتهم الجوية والبحرية والبرية".

ويكمل تونج إجابته بالقول: "حسب المادة الأولى في اتفاقية شيكاغو الخاصة بالطيران المدني، المُوقعة عام 1944؛ "تٌعتبر الساحة الجوية التي تمثل الغلاف الجوي المعاكس للأراضي الجغرافية البرية للدولة الوطنية، خاضعة لسيادة الدولة الوطنية بشكل كامل" وبناءًا عليه تتم عمليات الطيران المدنية بناءًا على التنسيق المتبادل بين الدول"، أما من ناحية اختراق الطيران العسكري للأجواء السيادية فقد ترك القانون الدولي حق السماح أو الرفض للطيران الأجنبي من دخول الأجواء السيادية للدول".

ويطرح تونج استنتاجه اعتمادًا على قواعد القوانين الدولية بالقول "للدولة الوطنية الحق المُطلق في وضع التنظيمات والقواعد المُنظمة للطيران المدني والعسكري الذان يستعملان أجواءها السيادية، وهذا يعني بأن للدولة أيضًا الحق المُطلق في اتخاذ التدابير اللازمة لصد أي عملية اختراق لأجوائها سواء كانت من قبل الطيران المدني أو الطيران العسكري".

ويؤكد تونج بأنه "اعتمادًا على هذه القوانين يحق لتركيا التنظيم والدفاع المُطلقين بكافة الوسائل عن أجواءها السيادية، وبما أن تركيا أعلنت قبل ذلك أنها ستنتهج مبدأ "الرد بالمثل" ومبدأ "الاشتباك المُعتمد" عقب إسقاط طائراتها عام 2012 من قبل الجيش السوري التابع للأسد، وحذرت روسيا أكثر من مرة، بعد قيام الأخيرة باختراق الأجواء التركية مرارًا وتكرارًا ما بين 3 إلى 4 تشرين الأول/ أكتوبر، بأنها لن تسمح بتكرار تلك العمليات مرة أخرى، يُبرهن أحقية تركيا في إسقاط الطائرة الحربية".

وبما يخص إنكار وزارة الدفاع الروسية اختراق طائراتها الأجواء التركية، يرى تونج أن "الوثائق والبراهين الميدانية وشهادات الناتو والحلف الدولي وغيرها من الأدلة تُعد كافية لإثبات اختراق الطائرة الروسية للأجواء التركية".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!