جلال سلمي - خاص ترك برس

تلت مرحلة الازدهار التي مرت بها العلاقات التركية الروسية في الفترة الأخيرة، مرحلة جديدة مكسوة بتوتر شديد، بسبب قيام تركيا بالتصدي لطائرة روسية انتهكت أجواءها السيادية وتمكنها من إسقاطها، وتحول التوتر المتصاعد إلى أزمة جادة بين الطرفين بعد قيام روسيا بتشديد الإجراءات الاقتصادية والدبلوماسية على تركيا والمواطنين الأتراك.

يرى الباحث السياسي "برهان الدين دوران"، المنسق العام لمركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" أن "روسيا كانت، قبل أزمة الطائرة، تحاول ضمنيًا عزل تركيا وإلهاءها بشؤونها الداخلية من خلال تقديم الدعم لحزبي الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني الكرديين "الإرهابيين"، ولكن بعد الأزمة اتضحت محاولات روسيا واتسعت وأصبحت ظاهرة للقاصي والداني".

ويضيف دوران "تركيا إلى الآن تحاول التمتع بالحكمة والروية وعدم الرد على استفزازات بوتين الإعلامية التي لا تستند إلى الصواب، وإلى الآن خطابات رئيس الجمهورية "رجب طيب أردوغان" ورئيس الوزراء "أحمد داود أوغلو" تبين عن نية تركيا الجادة في ضبط النفس وعدم الانجرار إلى بئر الاتهامات الباطلة التي يصرفها بوتين ضد تركيا ليل نهار".

ويؤكد دوران أن "عدم رد روسيا على الهواتف القادمة من تركيا، وتأكيدها على ضرورة اعتذار تركيا لها، وتشديدها الخناق على البضائع التركية والمواطنين الأتراك أصحاب المصالح في روسيا، وغيرها من العوامل تؤكد نية روسيا في إدامة التوتر القائم وعدم الاعتراف بخطئها العسكري في اختراق الحدود السيادية لتركيا".

ويتابع دوران مبينًا أن "روسيا لم تكتفي بتشديد الخناق على البضائع التركية والمواطنين الأتراك، بل تمادت في ذلك وزادت من شعلة التوتر، بعد تأويلها للدعاية السياسية التي تستهدف تركيا وتتهمها بالدولة الرئيسة في دعم داعش، ويبدو بأن إسقاط تركيا للطائرة وفر لبوتين فرصة قيمة كان يحاول الحصول عليها بشتى الوسائل، ليستغلها في تأويل "الأكاذيب" و"الادعاءات الباطلة" المُتهمة لتركيا زورا وبهتانًا، وبالتالي عزل الأخيرة عن الساحة بشكل كامل".

ومن جانبه، يصف الباحث السياسي "أفق أولوطاش"، العامل في وزارة الخارجية التركية، في مقاله "الطائرة ذريعة، الهدف الأساسي سوريا" حادثة إسقاط الطائرة الروسية بـ"الفرصة الثمينة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان، قبل الحادثة، يحاول جاهدًا إبعاد تركيا عن الساحة، ولكن لم يجد فرصة سانحة وثمينة مثل هذه الفرصة الأخيرة التي حصل عليها، ويفترض الكثير بأن الحادثة كانت مُتعمدة لإيقاع تركيا في ذلك المشهد، وبالتالي صب الاتهامات ضالة لا تمت للحقيقة بأي صلة".

ويلفت أولوطاش إلى أنه "منذ انطلاق الشرارة الأولى للثورة السورية، كان الهدف الأول والأساسي لبوتين هو عزلها دوليًا، وبالتالي إضعاف موقفها وإبعادها عن الساحة السورية، لتخلو له وحليفه "نظام الأسد" ويفرضوا سيطرتهم على سوريا وثورتها بسهولة، ولكن تركيا أثبتت موقفها الإنساني والحقوقي والسياسي الإيجابي في أكثر من مرة وكرة، الأمر الذي جعل العالم أجمع يصادق على أهمية الدور التركي في حل الأزمات العالقة في المنطقة".

ويقول الباحث التركي: "نحن، في تركيا، كنا على علم تام بنوايا بوتين الخفية، ولكن قررنا تجنب الخلافات المباشرة معها والعمل على دعم الثورة السورية العادلة إنسانيًا وماديًا ضد النظام الظالم دون التعرض لروسيا ومصالحها بشكل مباشر، ولكن روسيا كانت ترى من هذا الدعم، حتى لو كان إنساني، خطير ٌ على مصالحها الاستراتيجية في سوريا، وأزمة إسقاط الطائرة كانت الورقة القيمة التي حصل عليها بوتين ليعزل تركيا عن الساحة".

ويُعقب الباحث السياسي "أردال تاناس كاراغول" على سياسة بوتين الهادفة إلى عزل تركيا عن الساحة، من خلال مقاله "الخداع الروسي" الذي نشر في صحيفة يني شفق، قائلًا إن "بوتين يعلم جيدًا أن مزاعمه ما هي إلا تُرهات بعيدة عن الصحة، ولكن يرى أنها يمكن أن تُرجع عليه الفائدة في عزل تركيا عن الساحة السورية، وإلى جانب مزاعمه فإن استهداف قواته حتى لشاحنات المساعدات الإنسانية تظهر مدى نيته المبيتة لعزل تركيا عن الساحة بكافة السُبل، لكن تركيا لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام هذه السياسات، وستعمل على ضبط نفسها أمام التصعيد الروسي، ولكن في حين استمرت روسيا في ذلك، فإن تركيا ستغير من منحى سياساتها تجاه هذا التصعيد".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!