ولاء خضير - خاص ترك برس

شهد افتتاح إحدى مدارس "إمام خطيب" للبنات، في منطقة "كاديكوي" في إسطنبول، كلمة مؤثرة، عبّر عنها الرئيس أردوغان بقوله، "عندما كنت طالبا في مدرسة إمام خطيب، كان الأساتذة يسألونني سؤالًا، لا زال يبكيني حتى اليوم، كانوا يقولون لي باستهتار، "هل ستصبح غاسلًا للأموات يا بني"؟ لماذا تدرس في مدارس إمام خطيب؟ فمن يدرس هنا يصبحون غسالين للأموات؟".

وأضاف أردوغان حينها: "عندما أتذكر ذلك السؤال دائما لا يسعني إلا البكاء، ولا سيما عندما أقارن ذلك الحال، بهذا الحال الذي وصلنا إليه اليوم".

درس الرئيس أردوغان وتخرج من مدارس إمام خطيب الدينية، والتي كان النظام التركي في زمن الحزب الواحد، يفرض عليها قيودًا مشددة، وكان كثيرٌ من المدرسين الذين يفرضهم النظام على مثل هذه المدارس، هم علمانيون "كارهون ومحاربون" للتيار الإسلامي المحافظ في البلاد.

وتعد الآن مدارس "إمام- خطيب" هي مصدر التعليم الديني الرسمي الوحيد في تركيا، بعد أن وافقت الدولة العلمانية مضطرة على افتتاحها عام 1924، بعد أن كان قد أصدر مؤسس الدولة العلمانية التركية "مصطفى كمال أتاتورك"، قراراً بإغلاق جميع المدارس الدينية، الرسمية والخاصة، التي كانت رائجة في عهد الدولة العثمانية.

وبينما كانت نحو 600 مدرسة إمام - خطيب في تركيا، تقوم بتعليم نصف مليون تلميذ في النصف الثاني من التسعينات، صدر قرار بإلغاء مدارس إمام - خطيب، لتعليم التلاميذ في سن 11 و14 عاما، وذلك بعد ما عرف بانقلاب ما بعد الحداثة في تركيا 1997م.

حيث أنه سبق، وواجه التعليم الديني في تركيا، فترات مجحفة عقب سقوط الخلافة العثمانية، واعتلاء العلمانيين سدة الحكم، فرغم أن قانون توحيد التدريس الذي أقرّه البرلمان التركي في 1924م، لم ينص على إلغاء أنواع التعليم التي كانت سائدة في العهد العثماني، إلا أن ترسيخ العلمانية، والمبادئ "الأتاتوركية" كهوية بديلة عن الهوية الإسلامية، ألزم السادة الجدد بضرورة تصفية الهوية الإسلامية، وتجفيف منابع التعليم الديني، عبر إغلاق مؤسساته.

لكن عقب الحرب العالمية الثانية، وإقرار مبدأ التعددية الحزبية، تمكنت القوى الإسلامية من استصدار قانون يقضي بإفتتاح معاهد إمام خطيب، تحت إشراف رئاسة الشؤون الدينية، وتحديد مهامها في إعداد موظفين دينيين، يواجهون أشكال الانحراف الديني التي عمت المجتمع التركي.

وبموجب القانون الأساسي لوزارة التعليم التركية، فإن معاهد إمام خطيب، لا تختلف كثيرًا عن باقي الثانويات العامة الرسمية، إلا من حيث اعتبارها الدرس الديني من صلب المنهاج المقرر؛ فهي تتألف من مرحلتين دراسيتين، تمتد المرحلة المتوسطة لثلاث سنوات، والثانوية لأربع سنوات، ويلجئ إليها الطلاب الذين استكملوا المرحلة الابتدائية.

وبالنسبة للمنهاج فيتكون من ثلاث وحدات دراسية، دروس الاختصاص، وتضم المواد الدينية كالقرآن الكريم والحديث، والعقائد، واللغة العربية، والفقه، والخطابة، وغيرها؛ وهي الدروس التي تُميّز هذه المعاهد عن بقية المؤسسات التعليمية الرسمية.

ودروس مختارة، كالفنون والرياضة واللغات الأجنبية والتكنولوجيا، ودروس الثقافة العامة، وتشمل نفس الدروس المعطاة في الثانويات الرسمية، كالفلسفة والتاريخ والأدب التركي والرياضيات والمبادئ الأتاتوركية وغيرها.

وتتبع هذه المدارس مديرية التعليم الديني، وهي منتشرة في معظم أرجاء البلاد، ومهمتها الأساسية تخريج الأئمة والخطباء للمساجد دون الحاجة للالتحاق بالجامعة، بينما يفضل بعض خريجيها الالتحاق بالجامعات.

وتخرج من هذه المدارس صفوة أعضاء حزب العدالة والتنمية، والذي تولى السلطة في تركيا عام 2002، على رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي درس الاقتصاد بعد تخرجه من مدارس إمام - خطيب، والتي تخرج منها أيضا نحو ثلث نواب الحزب الحاكم في البرلمان التركي.

وحظيت معاهد إمام خطيب بإقبال شعبي ملحوظ، كتعبير الأهالي والشعب التركي على التمسك بالهوية الإسلامية من جهة، ومن جهة أخرى لما تمتعت به المعاهد من جودة في التعليم وانضباطية فائقة، لكن الجدل بشأنها لم يتوقف، بين علمانيين يرونها تهديدًا لمبادئ "أتاتورك"، وقوى دينية معارضة للتطرف العلماني، ومتمسكة بحق الشعب في تعليم يعزز انتماءه الديني.

فتعرّضت المدارس مرارًا للحظر الجزئي، وتحديد مساهمة الدولة في التمويل ودفع رواتب الأساتذة؛ مما جعلها تعتمد بشكل كبير على مساهمات الأهالي والأوقاف والجمعيات الخاصة.

كما وينتقد بعض أولياء الامور، ومدرسون، وجماعات المجتمع المدني، المدارس الدينية، ويصفونها بأنها هجوم آخر على مبادئ تركيا "العلمانية"، من قبل حزب العدالة والتنمية، الذي ساهم في تأسيسه الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ويتهموا الحكومة بفرض الدين على الطلاب من خلال هذه المدارس.

ومن الجدير بالذكر، أن مدارس امام-خطيب ترفع صور مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية العلمانية، شأنها في ذلك شأن كل المدارس في البلاد، ويمكن للطلاب دراسة نصوص حول هجرة النبي محمد إلى المدينة، في فصول توضع فيها صور لـ"أتاتورك"، وهو يلقي كلمة أمام شباب تركي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!