ولاء خضير - خاص ترك برس

ماذا لو كنت زائرًا في إسطنبول قبل عدة أعوام فقط، بالتأكيد ستدرك مدى الفرق الحاصل، ما بين إسطنبول التي كانت غارقة في التلوث والحرمان والفقر، وإسطنبول الآنّ، المرشحة لأن تكون العاصمة السياحية الأولى في أوروبا، وإحدى أكثر المدن سحرا في العالم، والتي بات اسمها يصدح في كل مكان، ويحلم بزيارتها الجميع!.

في بداية التسعينيات، كان الدخان الأسود يغطي سماء إسطنبول من انبعاث الغاز الطبيعي الذي كان يستخدمه السكان في التدفئة، وكانت إسطنبول غارقة في المشكلات، وحرمان من المياه ، وتلوث عارم، وتكدس للقامة في كل شوارع إسطنبول.

وكان القرن الذهبي، مستقع للقمامة، والروائح الكريهة، حيث كانت البلدية تطرح المخلفات في بحرها، إلا أن أوجد حل له، وعملوا على تنقيتها، وبسمادها المستخلص من البحر، كان سمادا طبيعا للأرض حولها، فحولت الى أرض خضراء.

كان سكان إسطنبول محبوسين في زحام الطرق والمواصلات، مخنوقين بالهواء الملوث، ويستاءلون: أليس لهذه المشكلات حل؟ "فاض بنا الكيل"، فالحق يقال، إن إسطنبول فعليا كانت أسوأ من ذلك.

ثم شاء القدر أن تغير إسطنبول معالمها، وكل شيء فيها، وقدم لها ابن حي قاسم باشا، الذي أدرك جيدا معاناة شعبه، وحمل هم أمته مبكرا، فما مر عام واحد على استلام رجب طيب أردوغان رئاسة بلدية إسطنبول في عام 1994م، حتى قادها إلى حياة مختلفة تماما.

كانت "إسطنبول"، تمر بمرحلة سيئة في الكثير من النواحي، حتى على مستوى الاهتمام بنظافة الشوارع والحارات، وخلال عامين، تغلبت على مشكلة التلوث الهوائي، وأحضر أردوغان الماء من مناطق بعيدة، وتم بناء سد مائي، بعد أن حُرم الأتراك من الماء سنوات طويلة.

وطور أردوغان نظام الصرف الصحي، وأنهى الأعمال الخاصة بـ"المترو" التي كانت قبل أن يتولى منصبه، وتولى إنشاء طرق جديدة، وانتشل بلدية إسطنبول من ديونها التي بلغت ملياري دولار، إلى أرباح واستثمارات، وبنمو بلغ 7%، بفضل عبقريته، ويده النظيفة، وبقربه من الناس، لا سيما العمال، ورفع أجورهم، ورعايتهم صحيًا واجتماعيًا.

ومن الملاحط على مسيرة الطيب أردوغان، تبنى حزبه، حزب "العدالة والتنمية" مبادئ الأتاتوركية العلمانية، وفي ذات السياق احترم المصالح الدينية والوطنية، وهو ما ساهم في إنجاح مسيرته، والتفاف السكان حوله، فتركيا كان يحكمها عبء علماني ثقيل، تغلغل في كل مؤسساتها.

ثم تمكنت تركيا في عهد أردوغان من الوصول إلى المرتبة الـ17 على قائمة أقوى الاقتصادات في العالم، وباتت تعتبر الصين و تركيا، الأسرع نموا اقتصاديا فى العالم، بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي، حيث أظهرت الأرقام وصول الناتج المحلي الإجمالي في تركيا إلى نحو ثلاثة أرباع تريليون دولار، في هذه الفترة، أي أنه ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل العام 2003م.

وتهتم بلدية إسطنبول حاليًا بعرض انجازاتها على سنوات عديدة، في مركزها الرئيسي، حيث تحتضن معرضًا يزوره الطلبة والأتراك بهدف الإطلاع على عمل البلدية، وهو مقسم إلى ثمانية أقسام، قسم المواصلات، قسم المترو باص، قسم التكاسي، قسم العبارات والمواصلات المائية، قسم البنية التحتية، وحلول للأمطار، وبناء السدود، وتطوير الجانب الجمالي لتركيا، وقسم التخطيط العمراني، والنطافة، ودور البلدية في النشاطات الإجتماعية، وقسم السياحة والترويج لها.

وقفز أردوغان ببلاده قفزة مذهلة من المركز الاقتصادي 111 إلى 17 بمعدل عشر درجات سنويًا، مما أهله لدخول نادي مجموعة العشرين الأقوياء الكبار(G-20 ) في العالم، وتطلع تركيا إلى ترتيب العشرة الأوائل عالميًا!.

ويوافق العام 2023م، الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة، وهو التاريخ الذي حدده أردوغان لتصبح تركيا من بين أعظم الاقتصادات في العالم، من خلال مشاريع علاقة، وتطوير لمرافق وبنى تحتية جديدة، في مقدمتها مطار جديد سيكلف مليارات الدولارات في إسطنبول، وجسور عملاقة، وقنوات مائية.

ويعد مطار إسطنبول الدولي، من أكبر مطار في أوروبا، ويستقبل في اليوم الواحد ما يزيد عن 1260 طائرة، فضلًا عن مطار صبيحة، الذي يستقبل يوميا ما يزيد عن630 طائرة!، وتفوز الخطوط الجوية التركية كأفضل ناقل جوي في العالم، لثلاث سنوات على التوالي.

وخلال عشر سنوات، زرعت تركيا مليارين و770 مليون شجرة حرجية ومثمرة، وملايين الورود، وزهر التيوليب الذي يزين شوارع وممرات إسطنبول أينما ذهبت.

في عشر سنوات، كان دخل الفرد في تركيا ما يقارب 3500 دولار سنوياً، وارتفع عام 2013 إلى 11 ألف دولار!، وهو أعلى من نسبة دخل المواطن الفرنسي، ورفع حزب العدالة قيمة العملة التركية إلى 30 ضعفا، بعد أن كانت في أسوأ مراحلها خلال سنوات سابقة!.

وحاليا في تركيا تعمل الدولة جاهدة، لتفريغ ما يقارب 300 ألف عالم، للبحث العلمي، للوصول إلى هدفها عام 2023 !؟.

وارتفعت الرواتب والأجور بنسبة 300%، وكان قد ارتفع أجر الموظف المبتدئ من 340 ليرة، إلى957 ليرة تركية، وانخفضت نسبة البطالة من 38% إلى 2%، وفي بداية العام الجديد عام 2016، تعهد رئيس الوزراء التركي احمد داود أوغلو، بأن الحد الأدنى للأجور سيكون ابتداء من 1300 ليرة تركية!، وهو القرار الذي سيبدأ تنفيذ الشهر الجاري.

وأعاد أردوغان تدريس اللغة العربية، والقرآن، والحديث النبوي إلى المدارس الحكومية بعد تسعة عقود من الحكم العلماني، الذي ألغى الحروف العربية، ومنع شعائر الدين والحجاب، وضيق الخناق على مسلميها، في دولة 98% مسملين، فكرّس أردوغان حرية ارتداء الحجاب في الجامعات الحكومية، ودار القضاء.

إن سنوات "حزب العدالة والتنمية" التي حكم بها تركيا، غيرت بلا شك وجه تركيا الحديث، فقد أنقذ البلاد من اقتصادها المدمر، وأنجز إصلاحات سياسية مؤثرة في المنطقة، وعمل على إصلاح ما أفسده العلمانيون، لا سيما فيما يتعلق بمنع شعائر الدين كالحجاب، ومد يده للسلام، وتصالح مع قوميات لها عداء تاريخي مع تركيا، ويطمح الآن للوصول بتركيا إلى دولة عظمى بحلول عام 2023م.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!