محمد عمر زيدان - خاص ترك برس

ربما سيعيد التاريخ نفسه في مهاباد أخرى، الأمر الذي يحلم به صالح مسلم وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي عبر البوابة السوفييتية مستغلا حالة الفوضى في المنطقة من جهة والمنافسة الشديدة بين الولايات المتحدة وروسيا من جهة أخرى، وهذا مما خيّل إليه أنه يستطيع وضع العالم تحت الأمر الواقع وإنشاء ما يسمى دولة  كردية  مستقلة، ولكن هذه الدولة  ليس لها واقع إلا على الورق وفي خياله المريض. هذا لا يعني أننا ضد إخواننا الأكراد في إقامة دولة مستقلة لهم، وحقهم في تقرير مصيرهم ولكن في غير هذه الظروف وبموافقة فاعلة للأطراف المجاورة سواء العرب أو الترك. وفي هذا السياق فإن ارتماء صالح مسلم في أحضان العمة الروسية واعتماده  بالدرجة الأولى على الروس الذين تدخلوا لصالحه وحاولوا فرضه في مؤتمر جنيف 3 بالقوة. لا لسواد عيونه كما يقال، وإنما لمعرفة الروس بأن موقفه وموقف حزبه موافق  لفكر وعقلية وريث بائع الجولان وهي نفس العقلية الإجرامية القائمة على الطائفية والعنصرية والقتل والتهجير ولكن من جهله المطبق أنه لم  يتعلم من دروس التاريخ وعبره شيء فالروس الذين قضوا على أول جمهورية كردية في شمال غرب إيران والتي أطلق عليها مهاباد.

يومها استغل القادة الترك قاضي محمد ومصطفى البارزاني الظروف الدولية القائمة إبان الحرب العالمية الثانية بين أمريكا وروسيا وإعلان إقامة أول جمهورية كردية بمساعدة الروس على الرغم من أنف شاه إيران آنذاك في 22 كانون الثاني/ يناير 1946 ولكن ما لبثت أمريكا أن ضغطت على الروس فانسحبوا من إيران وتخلوا عن حلفائهم الكورد وتركوهم فريسة سهلة للإيرانيين الذين أسقطوا هذه الجمهورية بعد أحد عشر شهرا من قيامها وأعدم قاضي محمد في الساحة العامة. لو أن صالح مسلم درس تاريخ هذه الجمهورية الكردية ذات العمر القصير واستنتج منها بعض العبر لتخلى عن مشروعه القومي وانضم إلى صفوف الثورة السورية ضد طاغية دمشق ولكن والله أعلم ستكون نهاية دولته الورقية كمثيلتها مهاباد وسيتخلى عنه الروس والأمريكيون  كما تخلوا عن أسلافه تحقيقا لا تعليقا لأن من يدرس الظروف الدولية في كلتا  المرحلتين يجد استحالة إقامة دولة كردية لأسباب متعددة منها تصنيف هذا الحزب بأنه حزب إرهابي ولا يمكن لحزب إرهابي أن يؤسس دولة، والسبب الثاني المساحة الجغرافية الصغيرة التي يقتسمها كل من العرب و الكرد والاحتقان الشديد بينهما من جراء ممارسات ذالك الحزب من قتل وتهجير وتجريف للقرى العربية والسبب الأهم هو عدم وجود الحاضنة الشعبية الكردية فمعظم الكرد هم من المسلمين ويكرهون توجه هذا الحزب العلماني.

لكل هذه الأسباب مجتمعة يصعب التفكير بإقامة دولة لذالك وفق هذه المعطيات سيتخلى عنه الروس . ولكن متى حينما  يصبح كرتا  محروقًا  لا قيمة له ولاعب غير فاعل في المشهد السوري.

عن الكاتب

محمد عمر زيدان

أكاديمي سوري وأستاذ جامعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس