إسماعيل ياشا - أخبار تركيا

أكراد سوريا منذ اندلاع الثورة ضد نظام الأسد انقسموا على أنفسهم، فمنهم من أيَّد ثورة الشعب السوري ومنهم من تخندق مع النظام أو بالأحرى حاول أن يستغل الظروف لمصلحته. وبعد خروج مظاهرات في المناطق ذات الكثافة الكردية تطالب بإسقاط النظام، تخلَّت قوات بشار الأسد وشبيحته عن بعض المدن والقرى وسلَّمتها إلى عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وغيره من الأحزاب الكردية ليقمعوا المظاهرات المناهضة للنظام.

عندما تقدم تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” المعروف إعلامياً بــ”داعش” باتجاه مدينة عين العرب التي يسميها الأكراد “كوباني” وسقطت القرى الكردية واحدة تلو الأخرى بيده، بدأ بعض الأكراد يركبون الموجة وبدلا من الاعتراف بضعف قوتهم اتهموا تركيا بدعم تنظيم “داعش” في حربه ضد الأكراد ليبرروا هزيمتهم، ونسوا أو تناسوا أن التنظيم المذكور حصل على أموال طائلة في المدن التي سيطر عليها وغنم أسلحة ثقيلة ومدرعات من الجيش العراقي الذي ترك كل شيء وهرب، إلا أن الرد المسكت على هذه الاتهامات التي لا تمت للحقيقة بصلة جاء من زعيم كردي بارز.

رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني في رده على سؤال أحد الصحفيين خلال مؤتمر صحفي عقده في محافظة دهوك قبل أيام، حول الأنباء التي ترددت عن قيام تركيا بدعم تنظيم “داعش”، قال إن “تركيا لم تقدم لتنظيم داعش الإرهابي الدعم بأي شكل من الأشكال”، ووصف الاتهامات الموجهة لتركيا بـ”الفرية”.

تركيا فتحت حدودها أمام عشرات الآلاف من السوريين الأكراد الفارِّين من الاشتباكات الدائرة بين تنظيم “داعش” والجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، واستقبلتهم بالترحاب كما استقبلت السوريين العرب واليزيديين العراقيين، وتُقدم لهم حاليا جميع التسهيلات والخدمات دون أي تمييز. وتجاوز عدد اللاجئين الأكراد الذين عبروا الحدود خلال الأيام الأخيرة 150 ألف لاجئ، وقد يرتفع هذا العدد نظرا لاستمرار الاشتباكات في المنطقة. ومع ذلك؛ لن تغلق تركيا حدودها أمام النازحين ولم تتركهم في جحيم الاشتباكات، بل ستمد إليهم يد العون كما مدت إلى غيرهم من اللاجئين.

هذه الاتهامات نفسها ردَّدها في تركيا بعض نواب حزب السلام والديمقراطية الكردي، في محاولة لابتزاز أنقرة، إلا أنهم سرعان ما تراجعوا وطلبوا من الحكومة التركية أن تقف إلى جانب أكراد عين العرب “كوباني” في حربهم ضد تنظيم “داعش”. والغريب في الأمر أنهم بالأمس القريب كانوا يحذِّرون تركيا من مغبة التدخل في سوريا ويقولون إنهم سيعتبرون أي تدخلٍ “عدوانا على الأكراد” ولكنهم يطالبون اليوم تركيا بالتدخل في سوريا  ويقولون إنهم سيعتبرون عدم تدخلها دعما لـ”داعش”.

الهدف الأول من هذه الاتهامات هو الضغط على تركيا لإجبارها على الانضمام إلى الحرب ضد “داعش” دون قيد أو شرط، لأن الأكراد يعرفون قبل غيرهم أن اتهام تركيا بدعم “داعش” لا أساس له. ولكن هذه الاتهامات يتم تكرارها عمدا حتى لو كانت تتعارض مع الحقائق والمسلمات وتصل إلى درجة متقدمة من الغباء والحماقة.

وعلى سبيل المثال، قرأت أمس تقريرا في موقع عربي يقول إن تنظيم “داعش” افتتح أول سفارة له في العاصمة التركية، وكان التقرير منقولا عن صحيفة “أيدينليك” التركية الموالية للنظام السوري، وهي من أكذب الصحف، وكل ما هنالك حساب تم فتحه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” باسم “سفارة الدولة الإسلامية في تركيا” بالإضافة إلى عنوان بريد إلكتروني، قد يكون المحرر نفسه فتحهما لاختلاق هذا التقرير. وهل هناك من يصدِّق من العقلاء مثل هذه الأكاذيب؟

تركيا لا ترى أكراد سوريا أعداء، بل تعتبرهم من أصدقاءها، كما أكَّد نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش. وأما تنظيم “داعش” وما يقوم به في العراق وسوريا فمشكلة معقدة وبعد تشكيل التحالف بقيادة واشنطن وإعلان الحرب عليه أصبحت أكثر تعقيدا ومشكلة عالمية، وتحتاج معالجتها إلى حلول مبنية على إستراتيجية شاملة.

رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان في تصريح له بالولايات المتحدة التي يزورها حاليا، شدد على أن الأزمة السورية يجب أن يتم حلها أولا لإنهاء مشكلة “داعش” وأن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يجب أن يكون شريكا في هذا الحل. وقوبل هذا التصريح في الأوساط الكردية بالترحيب والارتياح. وعلى أكراد سوريا أن يستفيدوا من أجواء المصالحة مع حزب العمال الكردستاني والعلاقات الممتازة بين أربيل وأنقرة، بدلا من أن يركبوا موجة غيرهم ويتهموا تركيا زورا وبهتانا.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس