برهان الدين دوران - صحيفة - ترجمة وتحرير ترك برس

هناك مكانة خاصة لأحداث غيزي بارك، في أسباب دخول تركيا مرحلة صعبة وقاسية، كونها المرة الأولى التي شعر بها البعض "بالقلق" حيال أحداث تجري فيها، حيث تحولت أحداث غزي بارك التي جرت قبل 3 أعوام في مثل هذه الأوقات من السنة، إلى أحداث شغب في الشوارع، وأهداف الذين كانوا يقولون بأنّ "القضية ليست قضية أشجار"، كانت واضحة، وهي محاولة الانقلاب على حزب العدالة والتنمية الذي لم يستطيعوا إزاحته عن الحُكم من خلال الانتخابات.

كانوا يعتقدون بضرورة أنْ يرحل الحزب الذي "أرهقهم"، وما نتذكره من تلك الأحداث، هو الثقة المفرطة للمعارضة فيها، وتفاؤلهم لتحقيق أي شيء يغطي على "عجزهم" السياسي، وعقدوا آمالهم على الغاضبين والحاقدين الذين رشقوا شارع التقسيم بالمولوتوف، والذين واجهوا الشرطة وأرادوا لها أن تتدخل بقوة وعنف من أجل أن يصبح شكل الحراك بأنه يسعى إلى "استعادة الديمقراطية"، لكن في واقع الأمر، تضررت المعارضة أكثر، وتعمقت فيها المشاكل أكثر.

لم يستطع هؤلاء أنْ يدركوا بأنّ تمسكهم وبقائهم في جبهة "معارضة أردوغان"، يعني أنهم سيبقون دائما في صفوف المعارضة، وأنهم لن يصلوا إلى سدة الحُكم ابدا، ما داموا يتصرفون وفق هذه الذهنية، لكنهم أدركوا حقيقة عجزهم السياسي، عندما بدأت سيناريوهات تشكيل حكومة ائتلافية، بعد انتخابات السابع من حزيران/ يونيو، وأثبتوا للجماهير بأنهم لا يستطيعون حتى تشكيل حكومة، وبعد ذلك عادوا إلى ما يطيقون وما يعرفون، بعد انتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، عادوا إلى اتهامات الحزب الحاكم بأنه حزب الرجل الواحد، وبأنه يسعى إلى الدكتاتورية وغيرها من الاتهامات التي اعتدنا على سماعها.

وأكثر المستفيدين من تصرف المعارضة بهذا الشكل، هي العواصم الغربية، التي لا تنفك في الإعراب عن "قلقها" تجاه ما تقوم به الدولة التركية، ولذلك أصبحوا يستخدمون ورقة "مكافحة تركيا للارهاب" من أجل إعاقة دخولها للاتحاد الأوروبي.

عندما حصلت أحداث غزي بارك، هرعت الدول الغربية إلى التأكيد على "حرية التظاهر"، وعند مكافحة التنظيم الموازي صرّحوا بضرورة التأكيد على "حرية الصحافة"، لكنْ عندما تتجه الأمور نحو آلاف المتظاهرين والمحتجين في شوارع بروكسل وباريس، يتغاضون عن كل هذه الأمور، برغم ما يتعرض له المحتجون من عنف واستخدام الغاز المسيل للدموع تجاههم.

من الغريب أنّ الغرب كان "قلقا" تجاه ما يجري في أحداث غزي بارك، لكنه بنفس الوقت لم يكن قلقا تجاه الاحتجاجات واستخدام العنف في شوارع باريس ضد المتظاهرين، وهذا يظهر ازدواجية المعايير عندهم، واختلاف إطار "الحرية" بالنسبة لهم، حيث يتسع هذا الإطار عندما يتعلق بتركيا، أما حينما يتعلق بالمتظاهرين لديهم يصبح أكثر "َضيقا".

ذاكرة الإنسان ليست ضعيفة إلى هذه الدرجة، ولهذا لم يفوت اردوغان الفرصة، وأعرب عن "قلقه تجاه الأحداث التي تجري في باريس"، واستغرب "غياب القنوات الفضائية التي بدأت تبث الأحداث قبل 3 سنوات من إسطنبول على الهواء مباشرة، وتغيب اليوم ولا تتحدث عما يجري في باريس"، كما تحدث بأنه "يدين العنف الذي تمارسه الشرطة الفرنسية تجاه من يمارس حقه في التظاهر".

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس