فيردا أوزير - صحيفة - ترجمة وتحرير ترك برس

كان الهم الأساسي للحرب في سوريا التي بدأت قبل 5 سنوات، يتعلق بالأسد، وهذا ليس بالنسبة لتركيا فقط، بل كانت تتحدث أمريكا مرارا وتكرارا عن أنّ "الأسد سيسقط". لكن بعد ذلك ظهرت داعش، وبرغم حديث أمريكا في أيلول 2014 عن تشكيل "تحالف ضد داعش"، إلا أنها فعليا لم تكن جدية، وأرادت من ذلك الالتفاف على مقترح انقرة المتعلق "بتشكيل منطقة آمنة"، ولم توافق أيضا على مقترح برنامج تدريب المعارضة، لتنقسم بعدها المعارضة السورية التي تتلقى الدعم من تركيا بالتعاون مع قطر والسعودية.

تسبب كل ما سبق بفتح الطريق أمام داعش، وتحول اهتمام واشنطن الكامل نحو داعش بدلا من الأسد، وتحدثوا عن أنّ "سقوط الأسد سيؤدي إلى زيادة نفوذ داعش وستخرج عن السيطرة"، وفي المقابل استمرت تركيا في التمسك بموقفها الداعي إلى "ضرورة رحيل الأسد". وهنا بدأ الخلاف بين الموقف التركي والأمريكي.

التغيرات التي حدثت بوجود إيران وروسيا

غضت أمريكا الطرف عن دخول الميليشيات الإيرانية الشيعية إلى سوريا والعراق، ووقعت اتفاقية نووية مع إيران، وتغيرت أبعاد الأحداث مع دخول روسيا إلى المعمعة في شهر أكتوبر 2015، لتصبح روسيا هي المسيطرة الرئيسية على الأجواء السورية، مقدمة بذلك دعما لا محدودا للمقاتلين الإيرانيين ومقاتلي الأسد، وثبتت لها قاعدتين عسكريتين في سوريا، وبذلك يكون محور إيران-روسيا-الأسد قد تماسك أكثر.

وازداد التنسيق الأمريكي الروسي مع مرور الوقت، وازدادت المحادثات بين الطرفين خصوصا في الفترة التي حدثت فيها محادثات جنيف بداية هذا العام، حتى وصل الأمر إلى أنْ أعلن المتحدث باسم الكرملين بأنّهم يتحدثون مرتين كل يوم مع واشنطن.

تقوم اليوم قوات سوريا الديمقراطية، ذات الأغلبية الساحقة من عناصر وحدات حماية الشعب، المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، تقوم بعملية واسعة في شمال الرقة معقل داعش، وفي نفس الوقت تهاجم القوات السورية والإيرانية بدعم روسي الرقة من الناحية الجنوبية، وهناك العديد من المراقبين يتحدثون عن أنّ ذلك يمثل "صراعا روسيا أمريكيا من أجل السيطرة على الرقة"، لكن الأمر عكس ذلك، حيث ترى أمريكا بأنّ المهم في الأمر إخراج داعش من الرقة، ومن الواضح أنّ هذه العمليات ستكشف خلال الأيام المقبلة حجم التعاون بين محور الأسد-إيران-روسيا، وبين أمريكا.

الخلاف مع أمريكا

أمريكا سلمت أمر العراق للميليشيات الإيرانية، التي تقوم اليوم بأكبر عملية في العراق (الفلوجة)، كما أنها تسلم سوريا لوحدات حماية الشعب، حتى أنها لا تلقي بالا لتحذيرات أنقرة المتكررة المتعلقة "بعدم عبور حزب الاتحاد الديمقراطي غرب الفرات"، كما أنّ الأمريكان يرفضون أيضا المقترح التركي المتعلق "بتركهم لحزب الاتحاد الديمقراطي، مقابل دخول قوات تركية برية تقاتل مع المعارضة".

وهذا يعني أنّ من يحمل الراية العسكرية الأمريكية في سوريا اليوم، هو العدو الأول لتركيا، وبذلك تكون فجوة الخلاف بين الطرفين قد اتسعت أكثر.

وفي الطرف الآخر، يزداد تمسك حزب الاتحاد الديمقراطي بالحديث عن الفيدرالية، حيث يقوم اليوم بمحاولة السيطرة على منبج من يد داعش، وهو يتلقى الدعم الأمريكي من أجل ذلك، وإذا سيطر على منبج، فربما لن ينسحب منها، وهذا يعني فتح الطريق أمامه من أجل توحيد كنتونات كوباني وعفرين، وقد يعمل أيضا على توحيد روجافا مع الرقة في حال استطاع السيطرة على الأخيرة.

أما إعلان المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي المختص بمكافحة داعش، عن أنّهم ينوون فتح الحدود بين كردستان العراق وروجافا، فهو يحمل إشارات بزيادة حجم خطر التهديدات التي تتربص بتركيا.

مناورات استراتيجية

تقدم حزب الاتحاد الديمقراطي بهذه الطريقة، لا يزعج أنقرة فحسب، بل يزعج الأسد كثيرا، وهذا الأمر سيجعل أنقرة تكون أمام مفترق طرق استراتيجي، فهل ستتخذ أنقرة موضعا لها بجانب نظام الأسد للوقوف في وجه حزب الاتحاد الديمقراطي؟ وهل ستعمل على التنسيق معه والمحادثات معه بطرق غير مباشرة؟ أم أنّ تركيا ستعمل على الوصول لنقطة تلاقي بينها وبين محور الأسد-إيران-روسيا، خصوصا بعد الخلاف بينها وبين أمريكا؟ أم ستعمل على تقليل حجم الخلاف بينها وبين الاتحاد الديمقراطي وأمريكا؟

نحن اليوم أمام مرحلة صعبة، فيها تتساقط الصواريخ القادمة من داعش على كيليس كل يوم، وجنوب البلاد ممزق، تزداد فيه قوة العمال الكردستاني الذي يتغذى من خلال روجافا، والطريق الوحيدة لمواجهة كل هذه التحديات، تتمثل في إيجاد شركاء في الدول الصادرة منها هذه التهديدات، وتقليل عناصر التهديد لمصالحنا القومية.

إذا ألقينا نظرة على الكتابة من أولها لآخرها، سنكتشف أين كانت أمريكا في البداية، واليوم أين أصبحت، حيث نجحت في إيحاد "شريك" لها من بين "أعدائها" الروس والإيرانيين، فالدول العظمى، هي التي تستطيع إجراء المناورات الاستراتيجية حسب تتوافق مع التغييرات في التوازنات.

عن الكاتب

فيردا أوزير

كاتبة صحفية تركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس