د. سمير صالحة - خاص ترك برس

أخذ التوتر التركي الأوروبي الأخير بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وردود الفعل الأوروبية التي لم تُرضي أنقرة كثيرا في مقابل الدعوات المتواصلة لعدم إلغاء عقوبة الإعدام والإسراع في رفع حالة الطوارى ء وعدم المساس بمسائل الحريات والديمقراطية منحًا جديدًا يعكس حقيقة تفاقمه واحتمال تحوله إلى بركان سياسي ينفجر ويطيح بالإنجازات التي تم تحقيقها في العامين الأخيرين باتجاه تحريك ملفات العضوية التركية الكاملة في الاتحاد.

في الجانب الاوروبي برزت:

- دعوة المستشار النمساوي كريستيان كيرن، الاتحاد الأوروبي إلى وقف محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد، بسبب ما وصفه بحملة التطهير الواسعة بعد المحاولة الانقلابية التي وقعت في منتصف تموز/ يوليو الماضي. وقوله علينا مواجهة الواقع... مفاوضات الانضمام باتت ضربًا من الخيال لأن،المعايير الديمقراطية التركية بعيدة من أن تكون كافية لانضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي.

- القلق الذي عبر عنه كل من وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني والمفوض الأوروبي لشؤون التوسيع يوهانس بسبب فرض حال الطوارئ في تركيا، مكرران دعوة الأوروبيين لأنقرة باحترام دولة القانون.

- تصريحات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي قال أنه يتوقع انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد بحلول عام 3000.

- تهديد المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت تركيا، بإنهاء مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي في حال إعادة إدراج عقوبة الإعدام، والتي كثر الحديث عنها بعد فشل انقلابٍ تزعّمه كبار قادة الجيش.

- إعلان جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، أن "تركيا ليست في موقع يؤهلها لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي في أي وقت قريب"، وأن مفاوضات انضمامها للاتحاد ستتوقف على الفور إذا أعادت تطبيق عقوبة الإعدام.

- دعوة رئيس الوزراء الفرنسي السابق آلان جوبيه إلى وقف توسيع الاتحاد الأوروبي، وتصريحه بأن تركيا ليس لها مكانٌ فيه، وذلك بعد يومين من فشل الانقلاب.

- قرار القضاء الإيطالي فتح تحقيق بحق نجل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للاشتباه بإخراجه مبالغ كبيرة من تركيا باتجاه ايطاليا كما زعم.

أنقرة من ناحيتها تحركت عبر:

- قرار استدعاء القائم بالأعمال الألماني احتجاجا على منع السلطات الألمانية نقل كلمة أردوغان عبر الفيديو لانصاره المحتشدين بالآلاف في مدينة كولن للتنديد بمحاولة الانقلاب الفاشل قبل 3 أسابيع.

- كلام وزير الخارجية التركي مولوود تشاووش أوغلو الذي قال إن "العنصرية هي عدو حقوق الإنسان، الأجدى بالمستشار النمساوي أن يهتم بشؤون بلاده، فالنمسا اليوم عاصمة العنصرية المتشددة".

- إعلان نعمان كورتولموش نائب رئيس الوزراء التركي أن بلاده أدت ما يتوجب عليها بخصوص مسألة الانضمام إلى عضوية الاتحاد، وأنّ تصريحات القيادات الأوروبية حول انضمام أنقرة إلى الاتحاد، لا تعكس تقصير تركيا في هذا الخصوص، إنما تعكس مماطلة الاتحاد وتهربه من مسؤولياته.

الواضح تماما هو أن دعوات رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر نحو التهدئة وقوله إن وقف مباحثات انضمام تركيا إلى الاتحاد سيكون خطا كبيرا وإقرار الأمين العام للمجلس الأوروبي ثوربيورن ياغلاند بأنه لا فهم كاف في أوروبا للتحديات التي تُواجهها تركيا... وبالتالي نرى أن هناك حاجة لتطهير كل هذا، في إشارة إلى أنصار غولن لن تكفي لمنع الانفجار بين الإخوة الأعداء.

القيادات الأوروبية لا تحب الرئيس التركي كثيرا وهو أيضا لا ينفك في توجيه الانتقادات وشن الحملات دفاعا عن مواقف بلاده وسياساتها.

المشكلة الحقيقية الآن هي في حجم الردود التي يطلقها أردوغان باتجاه أوروبا وقياداتها. الرد الغاضب للرئيس التركي جاء أولا من خلال دعوة العواصم الغربية للاهتمام بشؤونها والتخلي عن أسلوب الكيل بمكيالين في مسائل الحريات وحقوق الإنسان ومطالبته الحكومة الإيطالية بأن تهتم بملفات المافيا وليس بنجله. وقوله "لم نتلق الدعم الذي كنا نتوقعه من أصدقائنا، لا أثناء محاولة الانقلاب ولا بعدها". وتساؤله "لقد حدث انقلاب في بلد تحكمه الديمقراطية، وهناك 238 شهيدًا و2200 جريحًا حتى الآن. ولا زلتم تقولون: "نحن نشعر بالقلق. كيف يمكنكم إظهار التعاطف مع مرتكبي مثل هذا الشيء؟".

تركيا تشعر بخيبة أمل أوروبية بسبب اتفاقية اللجوء التي كانت ستوفر لها 3 مكاسب أساسية هي تسريع مفاوضات فتح الطريق أمام العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي والحصول على دعم مالي أوروبي يساهم في تخفيف أعبائها المادية في تامين احتياجات أكثر من مليوني لاجئ سوري ينتظرون العون والمساعدة وصدور قرار رفع التاشيرات أمام المواطنين الأتراك لكنها اليوم تجد نفسها وسط خدعة بروكسل برعاية ألمانية التي حصلت على ما تريد في مسألة إيقاف موجات اللجوء الوافدة من تركيا.

أردوغان يردد "الغرب لا يريد لتركيا أن تكون دولة ديمقراطية قوية". ويضيف "أرسلوا ممثليكم للاطلاع".

وتشاووش أوغلو يصر على أن غولن بيدق لا يمكنه تدبير كل ما حدث بمفرده وهو ورقة بيد جهات تريد زعزعة الاستقرار في تركيا.

تشاووش أوغلو طالب بروكسل بحزم قرارها في تحديد موعد رفع التأشيرات وإلا فإنها ستلجأ إلى تعليق نص الاتفاقية، لكن أوروبا متمسكة بتعديل قانون الإرهاب التركي وتضييق مصطلحات مطاطة ترفض تركيا مناقشتها في إطار حربها المفتوحة على حزب العمال الكردستاني وحليفه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا.

تركيا غاضبة لأنها وبعد مرور أكثر من 3 أسابيع على الانقلاب الفاشل لم تجد الدعم الأوروبي لها في مواجهة مرحلة ما بعد الأزمة وهي غاضبة أكثر لأن معظم العواصم الأوروبية ذهبت وراء انتقاد قرار الطوارىء والدفاع عن حقوق الانقلابيين كما تقول أنقرة.

وتركيا تذكر الأوروبيين مرة أخرى أن الأسباب الحقيقية لعدم الرغبة في قبولها أوروبيا هي دوافع سياسية ودينية وعرقية وسكانية بالدرجة الأولى.

أكثر من ثلثي الأتراك حسب استطلاعات الرأي الأخيرة يريدون أن يروا تركيا عضوا كاملا يأخذ مكانه بين المجموعة الأوروبية بعد أكثر من نصف قرن على الانتظار لكن أكثر من ثلثي الأتراك أيضا لا يثقون بالأوروبيين أنهم سيقبلون أن يروا تركيا بينهم.

العلاقات التركية الأوروبية مرة أخرى فوق صفيح ساخن فهل هي مجرد زوبعة في فنجان كما حدث أكثر من مرة لا بد أن تزول وتعود الأمور إلى نصابها أم هي مواجهة تختلف عن سابقتها ونسف الجسور الممتدة منذ عشرات السنين باتجاه إنجاز الوحدة بين تركيا والمجموعة الأوروبية؟

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس