إسماعيل ياشا - العرب 

منحت الحكومة التركية فرصة كافية ووقتا طويلا للمفاوضات مع حزب العمال الكردستاني، لإنهاء الصراع الدموي في إطار عملية السلام الداخلي، إلا أن تغير التوازنات في المنطقة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي شجَّع المنظمة الإرهابية على قلب الطاولة، أملا في أن تحقق حلمها في شمال سوريا.

حزب العمال الكردستاني أعلن إنهاء وقف إطلاق النار، وعاد إلى شن هجمات إرهابية تستهدف المدنيين ورجال الأمن في تركيا، بتحريض من قوى دولية وإقليمية، إلا أن الرياح لم تهب كما تشتهي المنظمة الإرهابية، وخسرت المعركة أمام قوات الأمن في الأراضي التركية، لعدم انحياز سكان المناطق ذات الأغلبية الكردية لسياسات حفر الخنادق وإقامة السواتر الترابية وتدمير الشوارع والأحياء وتحويل بيوت المدنيين الآمنين إلى ساحات القتال.

المنظمة الإرهابية خسرت منذ إنهاء وقف إطلاق النار عددا كبيرا من عناصرها وتلقت ضربات موجعة، كما فقد ذراعها السياسي، حزب الشعوب الديمقراطي، شيئا كثيرا من شعبيته وتعاطف سكان تلك المناطق. وفي ظل هذه الخسائر، يطرح هذا السؤال نفسه: «لماذا استمر حزب العمال الكردستاني في القتال داخل الأراضي التركية رغم خسائر فادحة تكبدها؟».

هناك أكثر من سبب دفع حزب العمال الكردستاني إلى مواصلة القتال ضد قوات الأمن التركية وشن هجمات إرهابية داخل تركيا. ومن أهم تلك الأسباب كون المنظمة الإرهابية تنفذ أجندة القوى الدولية والإقليمية التي تدعمها وتزوِّدها بالمال والسلاح. وبعبارة أخرى: إن قرار وقف استهداف تركيا ليس بيد حزب العمال الكردستاني.

السبب الثاني الذي جعل حزب العمال الكردستاني يخوض هذه المعركة بكل ثقله لإشغال أنقرة واستنزاف طاقة تركيا في الداخل، رغبته في الحفاظ على المكتسبات التي حصل عليها في شمال سوريا. وكاد حزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري للمنظمة الإرهابية، ينجح في جمع التكوينات الثلاثة استعدادا لإعلان الانفصال عن سوريا وإقامة دولة كردية يحكمها حزب العمال الكردستاني، لولا التدخل التركي العسكري الذي قضى على هذا الحلم. 

المنظمة الإرهابية خسرت المعركة داخل تركيا، وها هي بدأت تخسرها خارجها، وتخاف على مستقبل مكوناتها في شمال سوريا، بعد إطلاق الجيش التركي عملية درع الفرات من أجل مساندة فصائل الجيش السوري الحر وتطهير حدود تركيا من المنظمات الإرهابية. وهذا الخوف هو الذي دفع ميليشيات وحدات الحماية الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي إلى رفع أعلام أميركية على مبانيها. 

في خضم هذه التطورات، قال زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في جزيرة إمرالي التركية، في رسالة نقلها عنه شقيقه الذي زاره في سجنه بمناسبة العيد، بإذن من الحكومة التركية، إن الصراع المستمر بين قوات الأمن التركية وعناصر المنظمة الإرهابية يمكن حله خلال 6 أشهر إذا تم استئناف المفاوضات.

الزيارة جاءت لتقطع الطريق أمام فتنة أراد أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي إثارتها حول صحة أوجلان. وأكَّد محمد أوجلان في مؤتمر صحافي، عقده بعد الزيارة، أن شقيقه بصحة جيدة. أما ملف المفاوضات فلا يمكن أن يفتح في الظروف الراهنة، لأن الحكومة التركية لا تريد أن تُلدَغ من جحر واحد مرتين، ولا تثق بالمنظمات الإرهابية التي استغلت عملية السلام الداخلي لتكديس السلاح في المدن والاستعداد لجولة قادمة.;
 

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس