محمد حسن القدّو - خاص ترك برس

لم تكن  الزيارة التي قام بها العاهل البحريني جلالة الملك حمد إلى أنقرة في الشهر الماضي إلا تعبيرا عن صدق المشاعرالأخوية البحرينية تجاه الشعب التركي وتضامنا معها في الحفاظ على المكتسبات الشرعية الدستورية للأتراك، وتأتي أهمية الزيارة أيضا بأنها من أوائل الزيارات التي قام بها مسؤول عربي للعاصمة التركية أنقرة بعد فشل الانقلاب على الشرعية التركية.

يكمن أساس العلاقات التركية البحرينية في وجود قاسم مشترك بين الشعبين والحكومتين ألا وهو رابطة الدين الإسلامي الحنيف، وهذه الرابطة الأخوية هي التي مهدت إلى المزيد من التأقلم والنضوج في الأفكار والمساعي التي من شأنها أن تضع اللبنات الأولى لإقامة علاقات متميزة ضرورية ومصيرية للدولتين خدمة للمصالح المشتركة لكلتاهما إضافة إلى الفائدة المرجوة والحتمية لاستقرار المنطقة بصورة عامة بعد سلسلة من الاتفاقات الثنائية التي من شأنها أن تعود بالمنطقة إلى حالة من الاستقرار في ظل الظروف الدولية والإقليمية المقلقة.

بدأت اولى بوادر تعزيز العلاقات بين البلدين في الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في البلدين فقد زار رئيس المجلس الوطني التركي العاصمة البحرينية المنامة والتقى في أثناء الزيارة بالعاهل البحريني الذي أكد على أن العلاقة البحرينية مع الجانب التركي متميزة كونها قائمة على التعاون والاحترام المتبادل انطلاقا مما يجمع البلدين الصديقين من روابط تاريخية وثقافية مشتركة مؤكدا على أهمية استمرارها ودعا أيضا إلى تفعيل دور اللجنة العليا المشتركة لفتح آفاق جديدة من التعاون والتنسيق المشترك.

ومن الزيارات المهمة والتي أثرت بشكل مباشر إلى تفعيل وتطوير العلاقات المشتركة الزيارة التي  قام بها ولي عهد البحرين إلى تركيا والتي من خلالها تم التأكيد على سعي الطرفين إلى إقامة علاقات استراتيجية بينهما بالرغم من أن تلك الزيارة كانت ذات بعد اقتصادي أساسا إلا أن توقيت تلك الزيارة حمل الكثير من الدلائل حول النقاط المشتركة والتي تهم البلدين، ومن أهمها الملف النووي الإيراني في حينه وقد رأى بعض المراقبين ومنهم الكاتب راشد أحمد إسماعيل في مقاله بأنه آن الأوان أن تلعب البحرين دورا مساعدا للسياسة الخارجية التركية الجديدة في المنطقة، فتركيا قد حزمت أمرها بأن تؤدي دورا رياديا في سبيل حلحلة المشكلات المزمنة بين دول المنطقة وبطبيعة الحال أنها تسعى لأن تكون هذه المنطقة منطقة مستقرة بصورة دائمة أساسها الاحترام المتبادل واحترام الخصوصية الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والكف عن التصريحات والإيحاءات غير المجدية والتي تؤثر بشكل مباشر على استقرار هذه الدول وبالتالي تسود المنطقة حالة من اللااستقرار الذي يؤدي بدوره إلى خلق الكثير من الذرائع للدول الكبرى للتدخل في شؤون المنطقة لتحويلها إلى ساحات لتصفية الحسابات الدولية.

إن البحرين وتركيا سائران نحو الإصلاحات الديمقراطية، ويتميز مجلسا النواب في البلدين بأنهما مصدر للسلطات في الدولتين ولذا فإن هناك تفهم واضح وارتياح للعملية الديمقراطية السائرة في البلدين، أي بمعنى أن القرارات المتخذة يطغى عليها الطابع الشرعي، وهذا يعطي دعما كبيرا لتنفيذها عند اتخاذها. والبحرين تفهم الارتياح التركي لوضعها الديمقراطي بل تحاول أن يكون تطوير هذه العلاقات بوتيرة أسرع لأنها ضرورية وفرص ضياعها وإبطائها ليست في مصلحة الشعبين بسبب تفويت الكثير من الفرص المتاحة لتطوير المصلحة الوطنية والمشتركة.

لم تكن العلاقة التركية مع البحرين هي العلاقة الفريدة مع دول الخليج بل هناك علاقات استراتيجية متطورة بين تركيا وبعض دول الخليج كالعلاقة الاستراتيجية مع قطر وكذلك مع السعودية، وهناك علاقات متطورة أيضا مع دولة الكويت، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه الدول ترى أن تركيا قد أصبحت حليفا استراتيجيا لكل دول المنطقة انطلاقا من تفهمها للظلم الذي وقعت فيه الدول العربية من الكيانات الخارجية والدول الإقليمية، بل أصبحت تتبنى القضايا العربية باعتبارها قضيتها الأساسية وليست قضية جيرانها، وعلى هذا الأساس وهذا التفهم وعرفانا بالمواقف الأصيلة لتركيا الجديدة في المنطقة جاءت زيارة العاهل البحريني إلى العاصمة التركية بعيد فشل الانقلاب على الشرعية الدستورية، ورغم أن الزيارة لم تكن زيارة عمل بل وصفت بالزيارة التضامنية وزيارة المؤازرة لكنها لم تكن خالية من نتائجها الجوهرية ألا وهي- رفضها المساس بالشرعية الدستورية بقيادة الرئيس التركي وحكومته المنتخبة، وأعلنت دعمها "لكافة الإجراءات التي تتخذها الجمهورية التركية لتعزيز استقرارها وحماية مؤسساتها والحفاظ على مكتسباتها". وهذه التصريحات كان قد ادلى بها العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى ال خليفة اضافة إلى تصريح مماثل للخارجية البحرينية. كما نتج عن الزيارة التوقيع على خمسة اتفاقيات في مجال التعاون في القضايا القانونية والتجارية والقضائية كما تم التوقيع على تعديل «اتفاقية النقل الجوي» المبرمة في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 1998 بين حكومتي البلدين، وتوقيع اتفاقية "برنامج تطبيق التعاون الثقافي"، وبروتوكول تعاون بين معهد يونس أمره التركي وجامعة البحرين وكذلك "مذكرة تفاهم للتعاون في مجال شؤون الشباب والرياضة".

وفي أثناء الزيارة تم الإيعاز بتشكيل جمعية الصداقة البحرينية التركية، وأدلى المخول ورئيس الجمعية من الطرف البحريني بتصريح أكد فيه أن الحفاوة البالغة التي قوبل بها جلالته تأتي تجسيدا لبناء علاقة استراتيجية متينة يقودها جلالته بسياسته الحكيمة لتوسيع العلاقات بين البلدين على أوسع نطاق، وأكد (أنه وبعد هذه الجهود المباركة التي قادها عاهل البلاد المفدى لتعميق العلاقات البحرينية التركية على كافة المستويات الاستراتيجية، بات واضحًا حاجة المجتمع البحريني الماسة لدعم هذه الاتفاقات بجهود شعبية منظمة يأتي على رأسها السماح بتأسيس جمعية صداقة تربط بين الشعبين الصديقين، لاستكمال الجهود السياسية الرسمية بجهود شعبية مساندة وداعمة لرؤى قائدي البلدين).

هذه الزيارة  ستعقبها بالتاكيد زيارات متبادلة وعلى أعلى المستويات، لأن بناء الثقة الخلاقة والمتميزة كانت ثمرة من ثمرات الزيارة، وإن طريق الوصول إلى علاقات استراتيجية قد فرشت بالسجاد الاحمر، كما أن مقومات اقامة علاقات أخوية واسعة ومتطورة متوفرة وحقيقية بل أصبحت حتمية وضرورية الآن للطرفين.

إن الوصول الحقيقي للأتراك بعهدهم الجديد في إقامة علاقاتهم يبدو واضحا من النظرة الأخوية التي يبديها ويفرزها طريقة التعامل معهم من قبل الدول العربية، وخصوصا تلك الدول التي لا تتأثر سريعا بالتقلبات السياسية وبنفس الوقت تبقى مخلصة لأفكارها وصداقاتها والتي لا تتسرع في إقامة علاقات متينة راسخة دون الأخذ بنظر الاعتبار الخصوصيات والالتزامات الوطنية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس