د. وائل مرزا - المدينة 

«ما أسهل الحياة حين تُغمض عينيك عن الحقائق». عِبارةٌ تُنسب لأكثر من شخص، هي أصدقُ وصفٍ لحال العرب بشكلٍ عام مع تركيا، ولإسلامييهم على وجه الخصوص.

منذ أسبوعين، نشر أرشد هورمزلو، المستشار الرئاسي التركي السابق، مقالاً معبِّراً في الزميلة (الحياة) بعنوان «العثمانية الجديدة»، أكد فيه «أنه لا توجد هناك عثمانية جديدة كما لا توجد أموية جديدة أو عباسية جديدة». ذكرَ الرجل بوضوح أنه يكتب هذا إجابةً على الأسئلة والاستفسارات والطروحات، العربية، التي تُحاول أن تُلبِسَ الدولة التركية، قسراً، لباساً لاتنوي ارتداءه من قريبٍ أو بعيد.

لأكثر من عقد من الزمان، تحاول تركيا المواءمة بين المبادئ والمصالح، بشكلٍ مبتكر، في سياساتها الخارجية. وبِحُكم كونها تجربةً بشرية، فهي تنجحُ حيناً في ذلك بسلاسة، كما حدث في العشرية الأولى لحكم حزب العدالة والتنمية، وتفشل حيناً، كما كان الحال في السنتين الأخيرتين إلى لحظة الانقلاب الفاشل منذ شهور.

أما اليوم، فالواضح أن تركيا تعلمت من دروسها بشكلٍ كبير، وهو ما يجب أن يفهمه العرب شعوباً وحكومات.

أولاً: لايمكن لبعض قوى المعارضة العربية أن تستعديَ تركيا ضد حكوماتها بدعاوى أيديولوجية. ثانياً: لا مجال لممارسة الأمنيات، والهروب من الواجبات الذاتية العربية شعبياً ورسمياً، عبر تلبيس تركيا «طربوش» الخلافة التي ستحل، بالنيابة، كل المشاكل، وتعالج، بالوكالة، كل الأزمات. ثالثاً: لايمكن لأي دولة أن تتوقع من تركيا صداقةً ودعماً حقيقياً دون التعامل معها بنفس الطريقة. فعلى بساطتها، تُشكل هذه القواعد الثلاثة اليوم محور السياسات التركية تجاه العرب.

ما من شكٍ في أولوية المسؤولية الواقعة على الدول العربية لفهم القواعد المذكورة بشكلٍ متكامل، والتعامل معها بحسمٍ وجدية، بعيداً عن التردد والتسويف والوساوس، وقبل الوصول إلى واقعٍ جيوسياسي لن ينفع معه، وقتَها، أيُّ تنسيقٍ أو تعاون.

لكن ثمة مسؤوليةً كبرى تقع أيضاً على من يُفترض فيها أن تكون النخب العربية، سواء كانت تتلبس موقع المعارضة الشعبية بشكلٍ واضحٍ ومُعلَن، أو بشكلٍ هادئ مستور. 

لهذا، ربما، قال هورمزلو: «ويجب أن أقول إن (النموذج التركي) الذي كثر الحديث عنه منذ أكثر من عقد من الزمان غير صالح للتصدير نظراً للخصوصيات التي ذكرتها... قلت إننا في تركيا نزرع حديقتنا بالشكل الذي يرضي أجيالنا وأولادنا وأحفادنا ولا نفرض على أحد أن يزرع حديقته كما نفعل، لأن لكل منكم خصوصياته وأسلوبه وتطلعاته الخاصة. إلا أننا لا نحجب حديقتنا بأسوار عالية تمنع الآخرين من النظر إليها والاستلهام منها إذا أرادوا ذلك بملء إرادتهم».

ثم زاد جرعة الوضوح بقوله: «من هذا المنطلق أستسمح زملائي الأعزاء من عرب وعجم لأن لا يغلفوا اعتراضاتهم على شكل النظام أو سيره أو سياساته بدعاوى عثمانية جديدة ولا بعثمانيين جدد».

تحاول تركيا أن تُعبِّر سياساتُها الراهنة بوضوح عن منطلقاتها الاستراتيجية الأساسية اليوم، لكن حال بعض العرب، الذين يصرون على حالة الإنكار، يبدو وكأنه يدفعها لأن «تبقّ البحصة» بصراحة على لسان بعض ساستها، وفي المنابر العربية مباشرةً.

ففي نفس الفترة تقريباً، ظهر عمر كوركماز، كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، على شاشة قناةٍ خاصة مقربة من الإخوان المسلمين في مصر. في هذا اللقاء، الذي وُصف بالناري، ذكرَ المستشار أن هؤلاء ليس لهم تأثيرٌ في الداخل، ثم تابع قائلاً للمذيع المعروف بقربه منهم: «ربما أن بعض الأطراف المصرية، وأنت منهم، تفكرون أن الشغل الشاغل في تركيا هو موضوع مصر. هذا ليس صحيحاً. لدينا أشغال كثيرة جداً، وموضوع مصر يشكل جزءاً قليلاً جداً منها».

وكان حريصاً على أن يذكّر المذيع قائلاً: «أليس الإخوان هم الذين انزعجوا عندما تكلم أردوغان في القاهرة عن العلمانية؟». وعندما سأل المذيعُ المستشارَ في نهاية اللقاء عن نصيحته للمعارضة المصرية، أجاب إن عليها أن «تصنع مشروعاً حضارياً مصرياً موحداً لمُستقبل مصر، ويبلوروا ماذا يريدون في المستقبل القريب والبعيد لمستقبل مصر.. لابأس أن تكون لديها أمنيات عالية جداً جداً.. لكن يجب أن يتعاملوا مع الواقع. بمعنى، ألا نبقى في المثاليات دائماً ونتأخر في التدخل في الأحداث».

ربما آن الأوان لنسمع حكمة جلال الدين الرومي: «إذا كنت تبحث عن الشفاء، فاشعر بمرضك حقاً». 

عن الكاتب

د. وائل مرزا

باحث في العلوم السياسية، مهتمٌ بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس