رانج علاء الدين - الجزيرة الإنجليزية - ترجمة وتحرير ترك برس

لم تخل علاقات تركيا بأكراد العراق من المشاكل، فمنذ وقت ليس ببعيد رفضت أنقرة التعامل مع حكومة كردستان العراق وعارضت جهودها لتعزيز سيطرتها على المناطق الغنية بالنفط المتنازع عليها مثل كركوك. وعلاوة على ذلك، عقّد حزب العمال الكردستاني جهود حكومة كردستان لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع جيرانها الذين حاربوا تاريخيا محاولات التمرد الكردية داخل أراضيهم.

تغير الزمن بالطبع، وكانت هناك زيارات متبادلة بين كبار المسؤولين الأتراك والمسوؤلين في حكومة كردستان، فضلا عن الارتفاع الكبير في حجم التجارة، حيث أغرقت منتجات الشركات التركية أسواق كردستان، وأتاح بناء خط الأنابيب بين كردستان وتركيا لحكومة كردستان تصدير النفط والغاز إلى الأسواق الدولية باستقلالية.

يحدث التحول في السياسة الخارجية التركية تجاه أربيل، على الرغم من مخاوفها من تمرد حزب العمال الكردستاني، وعلى الرغم من أن مصالح تركيا السياسية والاقتصادية الرئيسة مع بغداد، لكن هذا التحول يأتي استجابة لعدم الاستقرار في العراق وتنامي النفوذ الإيراني.

وعلى الرغم من أن تركيا لديها علاقات سياسية واقتصادية كبيرة مع العراق، فإن أنقرة تعتقد- مثل آخرين في العالم العربي والإسلامي- أن ترسيخ النظام الشيعي الحاكم في بغداد قد حولها إلى فلك النفوذ الإيراني، وأن طهران واصلت خلال الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام توسيع نفوذها في البلاد.

في الواقع فإن تركيا قد تعزز تعاونها مع حكومة إقليم كردستان بسبب الشكوك والتحديات التي ستعقب فترة ما بعد داعش في العراق وسوريا.

إن الهياكل السياسية والإدارية التي ستظهر بعد هزيمة داعش النهائية ستكون لها أهمية كبيرة سواء بالنسبة إلى تركيا أو إلى منافسيها الجيوسياسيين، وكذلك بالنسبة للجهات السياسية الفاعلة في العراق.

إن إقامة علاقات وثيقة مع كردستان العراق تعتمد على الأمن المتبادل والمصالح الاقتصادية والاستراتيجية بعد عملية الموصل، ستمكن تركيا من إقامة منطقة عازلة ضد النفوذ الإيراني.

أدى زحف الميليشيات الشيعية إلى مدينة تلعفر، وهي ميليشيات تضم بعض الشيعة التركمان الذين طدرتهم داعش منها بعد سيطرتها عليها في عام 2014 ، إلى اقتراب هذه الميليشيات من المناطق المتنازع عليها وذات الأهمية الاستراتيجية مثل سنجار، حيث يوجد حضور كبير لحزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني.

سيكون لذلك آثار على المصالح الأمنية التركية على المدى الطويل، فوجود الميليشيات الشيعية بالقرب من أماكن مثل سنجار سيشعل التوترات بين هذه الميليشيات وحكومة إقليم كردستان، كما سيشجع  حزب العمال الكردستاني الذي حاول وضع سنجار تحت سيطرته الإدارية، ويحصل مقاتلوه في سنجار على دعم مالي من بغداد.

تخشى أنقرة من أن تزداد قوة هذه التحالفات والهياكل الأمنية التي ظهرت أخيرا، وخاصة نتيجة العلاقات القوية التي تربط حزب العمال الكردستاني بالميليشيات الشيعية وإيران. ولذلك استمر الوجود العسكري التركي في شمال العراق، على الرغم من تهديدات بغداد وتهديدات الميليشيات الشيعية.

وعلاوة على ذلك، وبعيدا عن حكومة كردستان، فإن حزب العمال الكردستاني يضعف

حلفاء آخرين لأنقرة في العراق، مثل أثيل النجيفي محافظ نينوى السابق الذي تدرب تركيا قواته  القوية البالغ قوامها 6500 مقاتل.

أخذ النفوذ التركي في كردستان العراق شكل مشروع تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يهدف إلى تأمين موقف الحزب بوصفه الحزب المهيمن في كردستان على حساب منافسه الرئيس حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي ومع الجماعات التابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا " البي واي دي" ووحدات حماية الشعب الكردي.

على أن الوضع أعقد من ذلك بكثير، حيث يُعتقد على نطاق واسع أن علاقة تركيا الوثيقة بحكومة إقليم كردستان لم تظهر في الآونة الأخيرة، بل تعززت في عقد التسعينيات من القرن الماضي، حين لعبت تركيا دورا مهما في التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية التي أعقبت حرب الخليج الأولى، كما أن إنشاء منطقة حظر الطيران بدعم غربي وإقامة منطقة الحكم الذاتي الكردي أعطت مساحة للعلاقات التجارية بين تركيا والإقليم، حتى وإن بقيت العلاقات متوترة ومقيدة سياسيا علنا.

التعاون السياسي اليوم بين انقرة وحكومة كردستان هو امتداد لهذه العلاقات. وعلى عكس الحكمة التقليدية، عمل كلا من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الديمقراطي إلى جانب تركيا في الماضي ضد حزب العمال الكردستاني الذي تتعارض نظرته الماركسية للقومية الكردية مع رؤيتيهما للديمقراطية الاجتماعية والليبرالية.

في عقد التسعينيات هاجم مؤسس حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي والرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، حزب العمال الكردستاني " بالعمل على إجهاض تجربتنا الديمقراطية وتدمير برلماننا" . وفي أواخر عام 2009 طلب طالباني من حزب العمال الكردستاني مغادرة كردستان العراق. وقد منح  كلا من طالباني والبرزاني جوازي سفر تركي سمح لهما بالسفر بحرية خارج العراق وتركيا، وسمح لهم حتى بفتح مكتب تمثيل دبلوماسي في أنقرة.

وعلى مدى العامين الماضيين عقّدت تداعيات الصراع في سوريا علاقات تركيا بأكراد المنطقة، لا بسبب مواجهتها الداخلية مع حزب العمال الكردستاني فحسب، بل بسبب تصاعد نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردي في سوريا أيضا.

عمق الصراع السوري المشاعر القومية الكردية، وأعطى فرصة لمزيد من الحكم الذاتي الكردي في جميع أنحاء المنطقة، وقد صعّب هذا من جهود حكومة إقليم كردستان لتحقيق التوازن بين التوجهات الكردية الداخلية وبين اعتمادهم على أنقرة.

ومع ذلك ما تزال تركيا الحليف الموثوق الوحيد لأكراد العراق. وفي منطقة لم يعد من الممكن فيها الاعتماد على تدخل الولايات المتحدة، قد تكون تركيا أقل الخيارات سوءا لحكومة إقليم كردستان.

البعد الإيراني

تتمتع إيران أيضا بعلاقات وثيقة مع الأكراد، وقدمت لهما تاريخيا قاعدة لمحاربة نظام البعث السابق، لكنها لا تستطيع تقديم ما تستطيع تركيا تقديمه.

أدت طموحات إيران النووية ودعمها لمجموعات تصنف بأنها تنظيمات إرهابية، ودعمها للميليشيات الشيعية المعادية للأكراد ( التي اشتبكت مع قوات البيشمركة) وخطابها المعادي للغرب، إلى تقويض مكانتها الدولية، وجعلها حليفا لا يعول عليه ولا يمكن التنبؤ به وضعيفا اقتصاديا.

في المقابل فإن الشراكة مع تركيا القوة العسكرية الكبيرة وعضو حلف شمال الأطلسي والحليف الغربي التاريخي باقتصادها المرن، تمنح إقليم كردستان "عازلا" من هجمات الهياكل الأمنية في العراق وفي باقي المنطقة.

سوف تفكر الجهات الحكومية وغير الحكومية التي تهدد إقليم كردستان، وهي الجهات الموجودة في البيئة السياسية والأمنية الحالية، مرتين قبل أن تتحدى المصالح الأمنية التركية في العراق، وهي مصالح متداخلة مع حكومة إقليم كردستان.

ستستفيد حكومة إقليم كردستان أيضا من التعاون مع تركيا بالاستثمارات الأجنبية والخبرة التكنولوجية والوصول إلى الأسواق الأوربية، كما يمكن للتفاعل المستمر بينهما أن يساعد على تخفيف حدة توتر تركيا تجاه الجماعات الكردية الأخرى في المنطقة، وربما استئناف عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني. 

عن الكاتب

رانج علاء الدين

زميل زائر في معهد بروكنغز وباحث متخصص في الشؤون العراقية وتاريخ الشرق الأوسط المعاصر


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس