صحيفة بوليتبايل - ترجمة وتحرير ترك برس

اجتمع الزعيم الروسي المعارض فلاديمير جينوفيسكي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمدة 45 دقيقة، وصادف يوم اجتماعه بالزعيم التركي الذكرى الأولى لمقتل الطيار الروسي أوليغ بيشكوف في حادثة سقوط الطائرة الروسية التي اخترقت المجال الجوي التركي. وقد ذكر الزعيم أنه قبل سنة من الآن، كان قد توعد بحذف أنقرة من الخارطة.

وأشار الزعيم السياسي الروسي إلى أن السياسة في المقام الأول هي عبارة عن حسابات استراتيجية "محايدة وجافة"، ولا تنساق خلف العواطف. وفي هذه الحال، فإن جينوفيسكي يعدّ من أفضل المفاوضين مع تركيا، خاصة وأنه يتحدث اللغة التركية بطلاقة نظرا إلى كونه أمضى سنوات من الدراسة في جامعة تركية. وعلاوة على ذلك، فهو يمثل ثالث أكبر قوة في مجلس الدوما، لذلك فخيار التفاوض معه يعدّ خيارا جيدا.

أكد جينوفيسكي أنه لم يتلقّ أية تعليمات من الكرملين حول الشروط التي عليه الالتزام بها أثناء إجراء المفاوضات، خاصة وأنها تمت دون الحاجة إلى مترجم. وقد نال إعجاب الأتراك، نظرا لإلمامه بمميزات العقلية الشرقية التركية.

أكد فلاديمير جينوفيسكي خلال المفاوضات على حقيقة أن الوقت قد حان لبداية مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات التركية الروسية، وخلق علامة فارقة في تاريخ هذه العلاقات، بوضع حد للنزاع الذي استمر لأكثر من 600 سنة. وقد قال حاسما أمره "هذا يكفي".

وأضاف جينوفيسكي أن الوقت قد حان لتغيّر تركيا وجهتها من الغرب إلى روسيا. كما أن على روسيا التغاضي عن مساعي الأتراك لتحسين العلاقات مع الغرب.

إن من المنطقي أن يقوم هذا التقارب على دعامة التاريخ المشترك بين البلدين، وعلى نقاط التحالف الاستراتيجي وذلك من خلال السياسات الخارجية التي سعت إلى الحفاظ على المصالح المشتركة، على سبيل المثال، أثناء طرد الفرنسيين من الجزر الأيونية.

أقر جينوفيسكي بأن الأتراك قد استوعبوا الدور الحقيقي للغرب في التأثير على العلاقات بين البلدين، وذكر أن أوروبا تعتمد سياسة "ضرب الكيل بمكيالين"، ولا تدخل أبدا في حرب مباشرة قد تستنفذ قواها وإنما تكتفي بزرع الضغينة وتوفير الأسباب الملائمة للصراع بين الأطراف الخارجية.

وقد اقترح فلاديمير جينوفيسكي على أردوغان توحيد الصفوف ضد الاستفزازات الغربية، وأشار إلى ضرورة دعم تركيا للتحالف بين طهران ودمشق وبغداد وروسيا، وسماه "بالتحالف الشمالي".

وأكد في السياق نفسه، أن هذا المشروع يعدّ كابوسا للدول العربية الموالية للغرب نظرا لقوة التحالف الذي يجمع تركيا وروسيا وإيران الذي يتمتعون بقوة عسكرية كبيرة.

وذكر أن الخيارات الجديدة المتاحة أمام تركيا في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي تمثل خطوة إلى الأمام، بعد أن واصلت أنقرة طرق باب الاتحاد الأوروبي طيلة 50 سنة. وأشار جينوفيسكي إلى أن تركيا دولة علمانية عصرية أرادت تأشيرة حرة لمواطنيها، إلا أنها لاقت رفضا بحجة غياب الديمقراطية عن سياستها الداخلية.

تطرق جينوفيسكي إلى تهديد أردوغان بفتح الحدود أمام أوروبا، وهذا التهديد لا يعد الأول من نوعه الذي يهدف إلى إجبار الاتحاد الأوروبي على الوفاء بوعده في دفع 3 مليارات يورو، لكن تهديده الآن كان رد فعل على قرار تعليق المفاوضات بشأن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.

أي أن المطلوب الآن ليس المال، فبعد إعلان أردوغان عن انضمام تركيا إلى منظمة شنغهاي للتعاون، اعتبرت أوروبا أن الشيطان ينتقل من الاتحاد الأوروبي إلى روسيا والصين. وبعد قرار تعليق المفاوضات، بيّنت استطلاعات الرأي الأخيرة أن 65 بالمائة من الشعب التركي لا يوافق على انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، أما في خصوص شنغهاي فلا زال الشعب التركي لم يحسم بعد موقفه.

وأشار جينوفيسكي إلى مشاكل تركيا مع حلف شمال الأطلسي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي رفضت تسليم فتح الله غولن للسلطات التركية رغم تورطه، حسب المخابرات التركية، في محاولة الانقلاب في يوليو/تموز الماضي.

أما حول موضوع انضمام تركيا إلى منظمة شنغهاي، فلم يكن من المحاور المهمة في حوار الرئيس التركي مع الزعيم الروسي، حيث اعتبرا أن هذا الموضوع من الأفضل مناقشته في الصين.

وتطرق الطرفان إلى الحسابات المالية المشتركة للعملة المحلية التركية، قبل أن يطرح السياسي الروسي سؤال "لماذا نحن بحاجة إلى الليرة التركية أثناء تبادل السلع؟". وفي هذا السياق، قال جينوفيسكي إن الليرة التركية ليست متداولة في أي مكان عدا تركيا. وأشار إلى أن البديل عن الدولار تمتلكه الصين وروسيا، في إشارة إلى اليوان الذي تم الاعتماد عليه طويلا. وأكد أن ذلك سيؤدي إلى انخفاض كتلة الدولار واليورو في بلدانهم.

وذكر السياسي موقفه من تطوير العلاقات الروسية التركية، التي تتأثر بتطور النشاط السياحي بين البلدين، فأنطاليا تحظى بشعبية واسعة من قبل الزوار الروس، أفضل مما تحظى به منتجعات البحر الأسود ودول بحر إيجه أو دول البحر الأبيض المتوسط.

كما تورّد تركيا كميات هامة من الألبسة والأحذية إلى روسيا. وقد أكد جينوفيسكي على النوعية الجيدة التي تتميز بها المنتجات التركية، بالإضافة إلى المواد الغذائية التركية الموجودة في السوق الروسية من فواكه وخضروات والمتوفرة في كل أوقات السنة.

وأكد جينوفيسكي أن زيارة الأتراك إلى روسيا لا يمكن أن تكون فقط من أجل السياحة، بل من أجل الدراسة والعمل أيضا. وأشار إلى تعلم العديد من الشباب الأتراك للغة الروسية، وليس الهدف من ذلك التواصل مع الروس عند زيارة المدن الكبرى مثل سانت بطرسبورغ وفورنيج، بل لأجل إجراء الصفقات التجارية مع الروس من قلب أنقرة وإسطنبول.

كما ذكر جينوفيسكي أن الطقس الروسي لا يسمح بتوفير البعض من المنتجات الغذائية كالطماطم وغيرها، لذلك فإن روسيا في حاجة للتعامل التجاري مع تركيا، خاصة وأنها تعاني من نقص اليد العاملة، ذات الجودة العالية، وتراهن في ذلك على الأتراك الذين يختلفون عن العمال الأوكرانيين والمالدوف.

وأشار جينوفيسكي إلى أن الأكثر أهمية في العلاقات الروسية التركية هو التعاون العسكري الذي يقوم على القوة الاقتصادية للبلدين، لكنه لم يتعمق في الحديث حول هذا الموضوع، وربما هذا يؤكد وجود بعض المعلومات السرية بهذا الخصوص.

كما أضاف جينوفيسكي أن المواضيع الأكثر حساسية في العلاقات الروسية التركية، تنحصر في علاقة روسيا بسوريا والأكراد. وذكر في هذا السياق، الهجوم الأخير على مدينة الباب السورية الذي أسفر عن مقتل عدّة جنود، حيث من الممكن أن تكون كل من سوريا وبشار الأسد حجر عثرة في طريق تحسن العلاقات التركية الروسية.

وقد انتشرت بعض الشائعات التي تقول إن الهجوم الأخير كان انتقاما من بشار الأسد، بعد أن سخرت زوجة أردوغان من فستان أسماء الأسد. وإن كان الأمر بهذه الطريقة مستبعدا لأنه قائم على دوافع وحساسيات شخصية، فإن التسوية السياسية أصبحت منذ فترة شاقة للغاية.

أما المسألة الأخرى التي تثير قلق الخبراء العسكريين، فهي مسألة مضيقي البوسفور والدردنيل، فوفقا لاتفاقية مونرو يحق لتركيا إغلاقهما في حال تدهورت الأوضاع الأمنية للحفاظ على أمنها واستقرارها الداخليين ولاستبعاد أي تهديد لحدودها. ويُذكر أن هذه المسألة كانت نقطة خلاف بين أنقرة وموسكو. وهنا يقرّ السياسي وزعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي الروسي بأن المفاوضات يمكن أن تكون بديلا جيدا عن الصدام.

كما أقر أن الحرب تمكّن من الاستفادة من مصالح ضيقة جدا على عكس المفاوضات ومحاولة إيجاد حلول سلمية ترضي جميع الأطراف.

وأضاف جينوفيسكي أن مصير هذه اللعبة السياسية لا يزال مجهولا، لكن الأمل لا زال قائما حتى لا يؤدي هذا الوضع إلى حرب عالمية. وأكد جينوفيسكي أن التعاون التركي الروسي تجري مناقشته بنشاط من كلا الطرفين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!