نيكولاس دانرفروث - وور أون ذا روك - ترجمة وتحرير ترك برس 

يتوقف الأمر على من تسأل، فتركيا وإيران وأنظمتهما السياسية السابقة كانت في حالة حرب أو سلم على مدى القرون الخمسة الماضية.  وليس من المستغرب أن هذين النمطين التاريخيين المتفاوتين بشدة هما نتاج علاقات معقدة ومتناقضة في كثير من الأحيان، وما تزال موجودة اليوم بين البلدين. منذ ارتقى حزب العدالة والتنمية التركي إلى سدة الحكم في عام 2002 والتوترات الجيوسياسية وأحيانا التوترات العرقية تظهر إلى جانب العلاقات المستمرة وحتى تعميق العلاقات الاقتصادية. أمس فقط التقى دبلوماسيون أتراك وإيرانيون نظراءهم الروس في موسكو لإجراء مناقشات تتسم بالتوتر بهدف التغلب، على الأقل، على بعض خلافاتهما الحادة في سوريا. وبالتأكيد صارت هذه الاجتماعات أكثر توترا باغتيال السفير الروسي لدى تركيا هذا الأسبوع.

في السنوات المقبلة قد تتوقف علاقة تركيا بالولايات المتحدة إلى حد بعيد على ما إذا كان سينظر إلى الولايات المتحدة بوصفها شريكا لإيران أو عدوا. وحيث إن العلاقات التركية الإيرانية صارت أكثر توترا، فقد حاول البعض في أنقرة كسب ود الولايات المتحدة بتقديم تركيا حليفا محتملا في مكافحة النفوذ الإيراني. يمثل تأكيد تركيا على العداء لإيران، على الأقل، طريقا لتفادي النقد الموجه إلى أنقرة لدورها الذي أدى في كثير من الأحيان إلى نتائج عكسية في الحرب على داعش. والآن ومع انتخاب ترامب قد يصبح تعاون أنقرة مع الصقور الأمريكيين ضد إيران أكثر فعالية. وإذا اتخذت السياسة الأمريكية، بغض النظر عن النتيجة، نهجا أكثر تصادما تجاه إيران، فهل يمكن للتعاون المعادي لإيران أن يوفر أساسا لإعادة بناء العلاقات الأمريكية التركية؟

في حال وقوع مواجه أمريكية إيرانية، فإن التحديات التي سيواجهها الرئيس رجب طيب أردوغان هي إقناع شركائه المحتملين في واشنطن بأن أنقرة تقف حقا إلى جانبهم. ونظرا للغموض الطويل الذي اكتنف علاقاتها بطهران، يجب على أنقرة أن تدرك أن المواجهة بين الغرب وإيران قد تترك تركيا في موقف صعب. خلال الحرب الإيرانية العراقية، التي استفادت تركيا خلالها من موقفها الحيادي بتوفيرها شريان الحياة الاقتصادي لإيران، ظلت تركيا دائما براغماتية بشأن ما يمكن أن تحققه علاقات العمل مع إيران من فوائد. وفي عام 1996 خلال الفترة التي شهدت ازدياد التوترات الثنائية وقعت الحكومة التركية اتفاقا للغاز الطبيعي مع إيران بقيمة 20 مليار دولار. بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة بدأت سلسلة من الزيارات رفيعة المستوى لمسؤولين أتراك وإيرانيين، صاحبها بذل مزيد من الجهود لتعزيز التعاون الاقتصادي. وإذا وضعنا هذا في الحسبان، فقد كانت أنقرة حريصة على المساعدة في حل المواجهة بأن البرنامج النووي الإيراني لكي تضمن أن العقوبات الاقتصادية لن تلحق ضررا بمصالح الشركات التركية.

لكن على الرغم من تاريخ التعاون الاقتصادي، ظهرت العلاقات التركية الإيرانية متوترة على نحو متزايد في الشهر الماضي. في مطلع  شهر ديسمبر/ كانون الأول اتهمت الحكومة التركية علنا طائرة إيرانية بدون طيار بالمشاركة في هجوم على القوات التركية في شمال سوريا قتل فيه ثلاثة جنود أتراك. عادت للظهور أيضا الاتهامات القديمة بدعم إيران لحزب العمال الكردستاني إلى جانب اتهامات بالسعي إلى إمبراطورية فارسية جديدة، ثم مع تأجج الغضب بسبب سقوط حلب صبت أنقرة جام غضبها على طهران. يقول المسؤولون الأتراك إنه بينما كانت روسيا وتركيا تتفاوضان على اتفاق لتسهيل أجلاء المدنيين من مناطق يسيطر عليها المعارضون، خربت إيران الخطة، وسهلت بذلك ارتكاب الأسد لجرائم حرب.

تحت عنوان "إيران تخرق وقف إطلاق النار في حلب" قدمت افتتاحية صحيفة ديلي صباح الموالية للحكومة والصادرة باللغة الإنجليزية وجهة نظر أنقرة في عزل إيران إلى إدارة ترامب. وبلغة تعد ترديدا لانتقادات الجناح اليميني في الصحافة الأمريكية اتهمت افتتاحية الصحيفة أوباما "بأنه عهد بجزء من جهد مكافحة الإرهاب في سوريا إلى الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وأنه سمح لإيران بأن تفلت ببرنامجها النووي المارق". ثم تدعو الافتتاحية واشنطن وإدارة ترامب "إلى الاعتراف بأخطاء أوباما" و"اتخاذ الخطوات اللازمة لوضع حد للتوسع الإيراني في المنطقة". ومع ما يبدو من التزام أنقرة وواشنطون بتحسين العلاقات مع موسكو، تدعو الافتتاحية أيضا بوتين إلى إعادة النظر في علاقته مع إيران والأسد.

وفي خضم العلاقات المتوترة مع حلفائها الغربيين، وانهيار القوى المناهضة للأسد في سوريا، واستمرار الصراع وتصاعده مع حزب العمال الكردستاني، ستستفيد أنقرة بالتأكيد من إيجاد مكان لها في المحور الجديد المناهض لإيران، لا سيما إن استطاعت أن تقنع واشنطون بالتعامل مع حزب العمال الكردستاني بوصفه ذراعا للنفوذ الإيراني. وبالنظر إلى الإدارة الأمريكية القادمة لن يكون صناع السياسة التركية وحدهم في استنتاج أن حقبة جديدة  قادمة من العداء الأمريكي لإيران. أعلن ترامب دعمه لإلغاء الاتفاق النووي، وفي الوقت نفسه فإن كثيرا من المحيطين به اتخذوا مواقف أكثر تشددا من إيران. وعلاوة على ذلك، فبالنسبة إلى من في واشنطون، ممن يرون حرص ترامب على استيعاب روسيا بوصفها تهديدا لمكانة الولايات المتحدة ومصداقيتها، فإن مواجهة إيران تقدم مسارا محتملا لإعادة صياغة هذه المواجهة.

من وجهة نظر أنقرة فإن السبيل الأمثل قد يكون بالانضمام إلى الجهود الأمريكية المتجددة لاحتواء إيران من دون الحاجة إلى مواجهة إيران. واعتمادا على كيفية تطور السياسة الأمريكية يمكن لأنقرة أن تحصل على رغبتها إلى حد بعيد، وربما مواجهة أكبر مما كانت تساوم من أجله.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس