ترك برس

انتقد طلحة عبد الرازق الباحث في معهد الأمن الاستراتيجي بجامعة إكستر البريطانية، النهج الذي تتبناه المعارضة التركية العلمانية تجاه حكم حزب العدالة والتنمية وموقفها من التعديلات الدستورية الأخيرة، واصفا المعارضة بأنها تتبنى إرثا ديكتاتوريا معاديا للديمقراطية وضعه كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة.

وكتب عبد الرازق مقالا في موقع "ميدل إيست آي" قال فيه إن العلمانيين الأتراك يعتقدون أن  رؤية أتاتورك لدولة علمانية ديمقراطية تتعرض لخطر التدمير على يد الرئيس الإسلامي رجب طيب أردوغان الذي سيعتمد طريقة حكم استبدادي لفرض أجندة سياسية معادية للسياسة الكمالية.

وأضاف الباحث أن هذا  اللون من التفكير ليس كاذبا وغير دقيق فحسب، بل إنه يخفي أيضا أجندة سياسية أكثر فظاعة  لمهاجمة أردوغان باستخدام معبود لا صوت له مثل أتاتورك سلاحا لمعارضة التغييرات الدستورية التي مررت.

أتاتورك ونظام الرجل الواحد والحزب الواحد

وبعد أن استعرض الباحث دور كمال أتاتورك في بناء تركيا الحديثة وفي حرب الاستقلال بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وهزيمتها في الحرب العالمية الأولى، أشار إلى أن إضفاء البطولة والقداسة على الرجل نفسه، سواء على الصعيد المحلي في تركيا، وعلى الصعيد الدولي في الآونة الأخيرة أدى إلى التعتيم على وقائع الحياة تحت حكمه، وكيف حكم.

وأوضح أن أتاتورك ترأس نظاما بعيدا كل البعد عن الديمقراطية التعددية المفتوحة و الليبرالية، يضمن له أن يكون رئيسا تنفيذيا له سلطة تعيين رئيس وزرائه، وهو ما يشبه إلى حد كبير نظام الوزير العثماني الكبير الذي ألغاه هو نفسه . وقد ترأس رئيس الوزراء بدوره برلمانا يسيطرعليه حزب واحد وهو حزب الشعب الجمهوري الذى يعد حزب المعارضة الرئيسي ضد أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم اليوم.

وهكذا خلق أتاتورك بيئة تمكنت فيها النخبة العلمانية المناهضة للإسلام ولليبرالية والديمقراطية غير المقيدة من السيطرة على قاعات السلطة السياسية، وعلى صفوف الجيش الذي بدأ منه أتاتورك حياته المهنية.

تغيير الدستور هو الخيار الأكثر ديمقراطية

ونوه الباحث إلى أن الدستور الذى عُدل فى تصويت يوم الأحد وضعته الطغمة العسكرية الانقلابية فى عام 1982 عقب انقلاب قاده الدكتاتور العسكري الكمالي الجنرال كنعان إيفرين، ومن ثم فإن قيام حكومة مدنية بتعديل دستور فرضه نظام عسكري كان خيارا أكثر ديمقراطية من مجرد تركه كما هو.

وبإعادته تركيا إلى النظام الرئاسي التنفيذي، لم ينح أردوغان إرث أتاتورك، لكنه  اقترب في الواقع من استعادة أسلوبه في الحكم. والفرق الرئيس هو بطبيعة الحال أن أردوغان لم يؤيد قط  نظام الحزب الواحد، مثل حزب أتاتورك، لكنه يبدو على الطريق الصحيح لإنشاء نظام رئاسي متعدد الأحزاب.

وأوضح أن هناك فارقا جوهريا بين أيديولوجية أتاتورك التي تتبناها المعارضة العلمانية وأيديولوجية أردوغان، فالأخير يعارض بوضوح أيديولوجية أتاتورك ورؤيتها السياسية، لكن يبدو أن الناس الذين يخلطون العلمانية  بالديمقراطية الليبرالية قد أساؤوا الفهم وعليهم الاعتراف بأنه بينما يختلف أردوغان عن أتاتورك أيديولوجيا، فقد اقترب من استعادة تراثه  في الحكم مع جعله مفتوحا للتصويت الشعبي.

علمانيون لكن ليسوا ديمقراطيين

وتطرق إلى انتصارات حزب العدالة والتنمية في جميع الانتخابات والاستفتاءات التي أجريت خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، ونجاحاته في المجال الاقتصادي وعلى مستوى الحريات، حيث أطلق الحريات التي حرم منها الأتراك المحافظون في الغالب، ولم يقتصر ذلك على السماح للنساء بارتداء الحجاب  في الوظائف العامة، بل إنه منح  السكان الأكراد حقوقهم في التواصل والتعلم في المدارس الخاصة بلغتهم، وكان ذلك كله محظورا خلال حكم النخبة العلمانية غير الليبرالية التي سبقته.

ونوه إلى أن التعديلات الدستورية الأخيرة قد تشوبها بعض العيوب، منها أن هناك فرصة كبيرة في أن يهيمن الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس على البرلمان. والأهم من ذلك أن التغيير الدستوري سيسمح للرئيس أيضا بالبقاء  قائدا لهذا الحزب، مما يعني أن الفرصة ضئيلة جدا لأن تصوت الأغلبية البرلمانية البسيطة على مساءلة الرئيس جنائيا.

وبحسب  الباحث فإن هذه التعديلات لا تعني أن تركيا أصبحت دكتاتورية، لكن الانتصار الضيق لنعم يعني أنه سيتعين على أردوغان وحزب العدالة والتنمية إعادة النظر في استراتيجيتهم، إذا كانوا يأملون في النجاح على المدى الطويل، وربما يقترحون تقديم  تنازلات للمعارضة بشأن بعض القضايا المثيرة  للخلاف في التغييرات الدستورية.

دفن استبداد أتاتورك

ونقل الباحث عن أحد الأكاديميين القوميين المناهضين لحزب العدالة والتنمية قوله قبل يوم واحد من التصويت على الاستفتاء "إن المعارضة في تركيا ديموقراطية فقط عندما تكون في المعارضة، لكنهم لو كانوا في السلطة، لفعلوا مثلما فعل أردوغان".

وختم مقاله بأن النخبة العلمانية التي تركها مصطفى كمال أتاتورك خلفه تشعر بالغضب الآن لا بسبب إضعاف الديمقراطية ، بل لأن أردوغان الذي منح صلاحيات واسعة سوف يدفن نهائيا الاستبداد السياسي والأيديولوجي الذي مارسه أتاتورك على المجتمع التركي المحافظ.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!