د. أسامة الملوحي - ترك برس

وليد المعلم بدا منتعشًا ممتلئًا في صحة جيدة ومعنويات عالية في آخر مؤتمر صحفي له، فتحدث عن الأستانة بقبول وابتهاج إلى حدٍ تمنى فيه أن تستمر الأستانات كبديلٍ عن الجنيفات المملة.

 واستمدَّ وليد من روسيا القوة وأظهر أنه صاحب دار وعزوة وقرار في الأستانة، ثم استمد من روسيا استخفافها بممثلي الفصائل وزاد إلى حدِّ توجيه التوصيات للفصائل الثورية المشاركة في الأستانة فأمر أن "تُخرج الفصائل تنظيم النصرة من مناطق سيطرتها بأسرع وقت"...

وليد المعلم يحتفل ويكاد يرقص طربًا بحفلات الفجور السياسي التي تعقدها وتديرها روسيا في الأستانة... ولا يمكن أن نصف ما تدبره روسيا مع إيران في الأستانة إلا بالفجور السياسي الصارخ... والمعضلة الكبرى أن وفد الفصائل في الأستانة لم يستعد لمثل هذا الفجور، بل وقع في براثنه عدة مرات وبسهولة بالغة.

أول هذا الفجور كان في الضغوطات التي مارستها روسيا بشكل مباشر وغير مباشر لتنتزع من وفد الفصائل اعترافًا بأن روسيا ضامنة وأنها حكم وصاحب مفتاح وإرادة للحل، والغريب أن هذه الضغوطات لم تكن هائلة ولا شديدة فقد تجاوب رئيس الوفد بسهولة وصرَّح بلغة الحاذق المتمكن في السياسة ومتغيراتها فقال: "هناك تغير في الموقف الروسي ولا بد أن نستثمره ونشجعه"، وفتح بذلك باب القبول الكامل بروسيا ومن تريده روسيا ولتكون المفاوضات في أرض تدور بفلك روسيا وبين جمهورها... في الأستانة.

واستمر الفجور يصرخ، فالأستانات أعدَّت للهدنة ووقف إطلاق النار ورغم ذلك عند كل أستانة كان القصف يشتد والموت يحتد وبعد كل أستانة كان يتم تهجير منطقة أو يكتمل اجتياحها.

وترافق هذا الفجور مع استخفاف شديد بوفد الفصائل الذي صرَّح الناطق فيه في مرَّة أن الوفد سيقاطع المفاوضات ويلغي المخرجات ولن يعود إذا تم تهجيرٌ في بلدات وادي بردى وتمَّ التهجير بعد قوله بساعات، ولكنه سكت وعاد الوفد في الموعد المقرر بلا ضجيج، وكان من وراء ذلك إحراج للوفد ولوم شديد له من اللائمين.

وفي آخر مرة انسحب الوفد في اليوم الأول لمَّا تعرض فصيل مشارك للقصف والغريب أن الوفد عاد في اليوم الثاني لمَّا اشتد القصف واتسع واستمرت أيام مؤتمر وقف إطلاق النار كلها على وقع القصف وإطلاق النار.

لقد أسس الروس في تعاملهم مع الثورة السورية مبدأً مرعبًا ومن المؤكد أن بشار الأسد وأبوه من قبله قد أخذا بهذا المبدأ وهو: "أن تضرب بشدة بلا رحمة في موضع فإذا احتج واعترض من تضربه، فاضربه بشدة أكبر وأوسع في كل المواضع."

ومن الفجور السياسي أن الروس لم يشركوا وفد الفصائل بشكل حقيقي في التفاوض وفوجئ المنتظرون أن هناك في وفد الفصائل من يعترض و يرفض المخرجات عند جلسة التوقيع... لقد أرادت روسيا وفي ظلها إيران من وفد الفصائل إذعانًا لما يملى عليه فحسب، والغريب أن وفد الفصائل أحسَّ بذلك طيلة الأيام والساعات ومع ذلك استمر حضوره بلا ضجيج قبل التوقيع.

وعندما قام أحد أعضاء الوفد أمام الكاميرات معترضًا على توقيع إيران كضامن تعجب المتابعون: كيف يجلس مع الوفد الإيراني طويلًا وهو يعلم من البداية أن إيران طرف أساسي في الأستانة وأنها شاركت في الاتفاق والصياغة والشروط ورضي بكل ذلك واعترض فقط أمام الإعلاميين على التوقيع.

وعندما اتفقوا ووقعوا لم يترك الترتيب الروسي لوفد الفصائل فراغًا بسيطًا في ذيل الورقة يُدعى للتوقيع عليه...

لقد أرادت روسيا بكل فجور سياسي صارخ مهين أن يكون وفد الفصائل ديكورًا مبكيًا مضحكًا في مشهد الأستانة... مشهدٌ استفزَّ الجميع وأنطق الجميع.

ووصل الفجور السياسي لأوجه عندما تضمنت الفقرات المكتوبة في اتفاق المناطق الأربع وجوب إبعاد وقتال جبهة تحرير الشام وأحد الفصائل المشاركة في الأستانة هو مكون رئيسي لجبهة تحرير الشام وهو فصيل نور الدين الزنكي، وفصائل اخرى كانت مشاركة أيضا هي متحالفة مع تحرير الشام ومنها فيلق الرحمن.

إنه الفجور السياسي الروسي وربما هو نفسه الذي أسماه تابعو بوتين "بالسياسة الهجينة" التي يمتزج فيها العمل العسكري العنيف بالفجور التفاوضي تحت ضغط الحديد والنار والحصار.

وأمام هذا الفجور السياسي الروسي لم يستطع وفد الفصائل فعل شيء ولم يستطع حتى أن يستثمر حضوره بتظاهرة إعلامية ضد الأطراف المعادية التي صاح أحد أفرادها على الهواء مباشرة مخاطبًا وفد الفصائل: "أنتم إرهابيون منذ ألف وأربعمئة سنة"، ولو تظاهروا عليه وعطلوا الجلسة وسلطوا الأضواء وطالبوا بتسجيل ذلك في المحاضر وطالبوا بطرد الوفد الإيراني كله لكفاهم إنجازًا متواضعًا في وجه الفجور السياسي الروسي العاتي.

عن الكاتب

د. أسامة الملوحي

سياسي وكاتب سوري معارض ورئيس هيئة الإنقاذ السورية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس