محمود عثمان - خاص ترك برس
اختتم رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليجدار أوغلو، اليوم الأحد، مسيرته الاحتجاجية التي كان قد بدأها من العاصمة أنقرة في منتصف شهر حزيران يونيو قبل 25 يوما. كليجدار أوغلو نظم تجمعا جماهيريا في منطقة "مالتبا" في الجزء الآسيوي من مدينة استانبول.
قرار المسيرة الاحتجاجية جاء عقب اجتماع الجنة المركزية لحزب الشعب الجمهوري استمر قرابة ست ساعات , على خلفية الحكم القضائي على نائبه في البرلمان , أنيس بربر أوغلو , بالسجن 25 عاما بتهمة التجسس لصالح جهات أو دول أجنبية , وإفشاء معلومات سرية خاصة بأمن الدولة .
زعيم حزب الشعوب الديمقراطية المسجون صلاح الدين دميرطاش أعلن عن تأييده للمسيرة، إضافة إلى بعض الشخصيات المعارضة أمثال ميرال أكشنار وغيرها . بينما عبر دولت بهجلي عن انتقاده الشديد لهذه المسيرة , واعتبرها ممارسة للسياسة في غير مكانها , حيث يحتل نزول الشعب للشارع مكانا سلبيا في ذاكرة الأتراك . فهي تعني انقسام المجتمع وشيوع الفوضى وغياب الأمن .
تأييد قيادة حزب الشعوب الديمقراطية المحسوبة على حزب العمال الكردستاني , ومشاركة بعض الشخصيات المحسوبة على منظمات يسارية إرهابية مسلحة في المسيرة أمثال "مصطفى قره صو" من قيادات منظمة DHKP-C الإرهابية , وعدم اعتراض كليجدار أوغلو على مشاركة هؤلاء بل ترحيبه بهم , جعل رجل الشارع التركي العادي يتساءل : أية عدالة يريد هؤلاء ؟.
إذ لا تزال الأعمال الإجرامية التي ارتكبتها هذه المنظمات الإرهابية , والتي راح ضحيتها عشرات المواطنين الأتراك , لا تزال هذه الحوادث حاضرة في ذهن المواطن العادي . تفجيرات أنقرة التي استهدفت 5 عربات تقل جنود أتراك وسط أنقرة . بعد شهر تفجير آخر في منطقة كيزلاي , استهدف موقف باصات وسط العاصمة أنقرة أيضا راح ضحيته 34 قتيلا 25 جريحا . أعقبه استهداف للشرطة في منطقة بايزيد في استانبول , ثم تفجير بشكتاش .
يتساءل المواطن التركي كيف لمن يشجع هذه الأعمال الإرهابية ولا يستنكرها , أن ينظم مسيرة يبحث فيها عن العدالة المفقودة ؟!
كمال كليجدار أوغلو كان يأمل بانضمام مئات الآلاف من المتظاهرين إلى مسيرته الاحتجاجية عند وصولها إلى محطتها النهائية في استانبول . وكان يريد أن تتحول هذه المسيرة إلى سلسلة احتجاجات شعبية واسعة تشمل عدة مدن في تركيا . ذاك الحلم / المخطط الذي لا يزال يراود بعض قوى المعارضة داخل تركيا , وداعميهم خارجها, منذ عام 2013 , من لدن احتجاجات "جازي بارك" التي خطط لها أن تكون ساحة تحرير تحتضن ربيعا تركيا , على غرار الربيع العربي .
لكن المشهد اليوم كان بعيدا جدا عما كان يرنو إليه كمال كليجدار أوغلو وحزبه وداعموه في الداخل والخارج. جموع المحتشدين كانت دون التوقعات بكثير , مما اضطر المنظمين لاستخدام / سرقة بعض مشاهد مهرجان " يني كابي " التجمع الأكبر في تاريخ تركيا . لكن سرقتهم سرعان ما كشفت فاضطروا لحذفها فورا.
كمال كليجدار أوغلو بدأ كلمته اليوم بالثناء على الشرطة والجندرمة التي رافقت المسيرة , وأمنت نجاحها بحيث لم يصب أحد بأذى . نسي كليجدار أوغلو أنه يناقض نفسه بنفسه . لأن قوات الأمن من الشرطة والجندرمة هي العنصر الأساسي في تأمين العدالة , حيث لا يمكن تحقيق العدالة بدون قوات الأمن . فالعدالة ليست قاعة المحكمة فحسب . ثناء كليجدار أوغلو على قوات الأمن هو ثناء على الدولة والحكومة والسلطة أيضا . هو ثناء غير مباشر على أردوغان و يلدرم , وهذا يعني أن مبررات خروجه في مسيرة البحث عن العدالة تنقصها المبررات والأسباب الوجيهة.
لا بد من الإشارة إلى أن الحكم الصادر بحق النائب أنيس بربر أوغلو ما زال ليس قطعيا ولا نهائيا بعد . حيث هناك محكمة التمييز , كما أن بإمكانه التظلم لدى المحكمة الدستورية العليا . لكن حزب الشعب الجمهوري استبق الأمور , فتقدم بشكوى إلى المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان !. مما يدل دلالة واضحة على تعاون وثيق بين حزب الشعب الجمهوري مع بعض القوى الأوربية التي لا تخفي عداءها للرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم .
كمال كليجدار أوغلو , من حيث لا يدري , أوقع حزبه في الحفرة التي كان يعدها لخصومه السياسيين . فقد وضع حزب الشعب الجمهوري مسألة رفع الحصانة الدبلوماسية عن نواب البرلمان , دون قيد أو شرط , في مقدمة وعوده الانتخابية . بينما كان حزب العدالة والتنمية يقول بإبقاء الحصانة على النواب داخل البرلمان , مع رفعها بشكل مشروط في حالات الجرائم الجنائية لا السياسية . لكن حزب الشعب الجمهوري أصر على المطالبة برفعها مطلقا , وبأسلوب لا يخلو من مزاودة سياسية . حزب العدالة والتنمية استجاب لمطالبة حزب الشعب الجمهوري , في خطوة لا تخلو من توريط سياسي على طريقة حافة الهاوية . فتم قبول قرار رفع الحصانة الدبلوماسية عن نواب البرلمان , ليسجل حزب الشعب الجمهوري هدفا قاتلا في مرماه.
غاب عن قيادة حزب الشعب الجمهوري أن مياه كثيرة مرت من تحت الجسر , وأن تركيا اليوم تختلف كليا عن تركيا الأمس . وأن الأيام التي كانت يد الدولة العميقة ,منظمة كولن والكيان الموازي , تطول فيها وتصول وتجول , وتصوغ قرارات المحاكم كما تشاء , وأن دولة "مجلس القضاء الأعلى" قد دالت , وولت إلى غير رجعة.
غاب عن كمال كليجدار أوغلو وقيادة حزبه , أن عدالة "النخبة" التي يبحثون عنها من خلال المسيرات الاحتجاجية قد أصبحت من الماضي , وذهبت أدراج الرياح تجرها ذيول الانقلاب العسكري الفاشل ليلة 15 تموز قبل عام .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس