ترك برس

تناول تقرير تحليلي في جريدة "الأخبار" اللبنانية، موقف النظام السوري من التقارب الملحوظ بين تركيا وإيران، معتبرًا أنّ هذا التقارب يأتي في سياق انحسار انتشار تنظيم "داعش" في الميدان السوري، كما العراقي، ما يفرض طرح مسألة "ما بعده"، إذ تخشى أنقرة وطهران ودمشق أن تثبّت تلك المرحلة "النفوذ الكردي" في الشمالين السوري والعراقي برعاية أميركية.

ورأى التقرير أن التقارب التركي الإيراني يأتي بالتوازي مع سياق آخر، يتمثّل في استكمال مسارات "محادثات أستانا" التي انطلقت في بداية العام الجاري بتوافق روسي ــ تركي، وبمشاركة إيرانية، وهي محادثات أنتجت حتى الآن إقامة عدد من مناطق "تخفيف التصعيد"، لكنّها تسمح على المدى البعيد بإنشاء إدارات محليّة.

في السياقات الأشمل، يأتي التقارب المفترض في وقت تبدو فيه الإدارة الأميركية الجديدة بلا حسابات كبيرة في سوريا، حيث قد ترضى بسلسلة من الاتفاقات مع روسيا، ويبدو أيضاً أنّ ما يعنيها هو رفع مستوى المواجهة مع إيران وزيادة الضغوط على أماكن انتشارها ونفوذها الشرق الأوسط، بحسب التقرير.

ومن الجهة التركية، من الواضح أنّ الرئيس رجب طيب أردوغان، يعيد تحديد موقع "الجمهورية التركية" استناداً إلى حسابات "قوميّة وإسلامية"، وهذا ما يجعله في الوقت الراهن يرفع من مستوى خطابه ضد دول غربية، ويجعله يلتقي مع إيران للتعاون معها في "الملف الكردي" في مقابل الدعم الأميركي الذي تلقاه قوى كردية.

ويفضّل الباحث الروسي ألكسي خليبنيكوف، الحديث عن "تصالح تكتيكي بين إيران وتركيا، بدلاً من التقارب"، مضيفاً أنّ الظروف الحالية تدفع بهما إلى "التعاون، خاصة في الملف الكردي". فيما يقول الضابط في قوات البشمركة رائد إسلام جالي، إنّ التواصل بين الدولتين هدفه "منع الأكراد من تأسيس كيان مستقل في شمال سوريا، وإشغالهم في كردستان العراق بغية عرقلة الاستفتاء".

من جهة أخرى، يرى الباحث الأميركي المتخصص في الشأن السوري جوشوا لانديس، أنّ إيران وتركيا "تختبران الأرضية المشتركة بينهما في سوريا، إذ إنّ كلاً منهما بحاجة للأخرى: إيران تحتاج إلى تعاون تركيا لمساعدة الجيش السوري على استعادة إدلب وإعادة بسط نفوذ الدولة على الأراضي السورية، فيما تحتاج تركيا إلى مساعدة إيران والحكومة السورية لاحتواء نفوذ حزب العمّال الكردستاني والأكراد، وكلاهما يريد إبعاد الجيش الأميركي من المنطقة".

ويضيف أنّ "كليهما أيضاً متردد في الاستجابة لمطالب الآخر: تركيا مترددة في الانقلاب على المعارضة السورية وفي تبني النظام السوري، فيما لا تريد إيران أن تدخل في حرب ضد الأكراد، لكنّها في نفس الوقت تشارك تركيا مصلحتها في إخراج الأميركيين خارج الشمال السوري حيث يساعدون الأكراد".

وبينما يذهب لانديس إلى حدّ القول إنّ الدولتين "تسعيان (في إطار سياساتهما العامة) إلى ملء الفراغ في العالم العربي الذي يعيش حالاً من الفوضى والانقسام"، لكن بالعموم إنّ الحاجات المتبادلة بين الدولتين، لا توضح طبيعة التقارب ومستواه". بعض المطلعين يؤكدون بدورهم أنّه "مؤقت، ويعني حصراً الملف الكردي"، فيما يذهب آخرون إلى القول إنّه "أصبح متقدماً ومطروحاً في بعض بنوده نقاشات بشأن مستقبل سوريا، خاصة أنّ أنقرة تبدو كمن اقتنع ببقاء الرئيس بشار الأسد".

واعتبر التقرير أن هذا التباين في التقديرات يجعل من الصعب الوقوف على النظرة السورية للتقارب، بخاصة أنّه في العامين الأخيرين تحديداً، بدا أنّ التصريح عن القرار السوري قد أصبح منحصراً ضمن دائرة ضيقة، تصعب معرفة مواقفها.

ومما يزيد تقدير الموقف تعقيداً، أنّ موقف دمشق المبدئي لناحية الترحيب بكل ما من شأنه تخفيف مستوى العنف (وهذا هو الحال مع مسارات محادثات أستانا الراهنة)، تقابله حسابات تفصيلية لن تستسيغ تقاسم النفوذ المناطقي وانتشار "ظاهرة الإدارات المحلية"، خاصة أنّ تركيا وإيران تُعدّان "ضامنَتين لمسارات أستانا، إلى جانب روسيا"، وهي المحادثات التي من المفترض أن ينبثق منها "منطقة تخفيف تصعيد في إدلب... ويبدو أنّ الدول الثلاث تريد التوصل إلى اتفاق"، كما يقول ألكسي خليبنيكوف.

ومن بين تلك الحسابات التفصيلية أيضاً أنّ قاعدة الاتفاق إذا اتسعت، قد تثير حساسية دمشق لأنّ للطرفين خلفية داعمة لحركات الإسلام السياسي، وقد تتفقان على دور ما لـ"الإخوان المسلمين" في سوريا، الأمر الذي لا يزال مندرجاً حتى يومنا ضمن "خطوط دمشق الحمر"، وفق التقرير.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!