ماهر حسن شاويش - خاص ترك برس

عندما دُعينا من قِبل بيت الإعلاميين العرب في تركيا وجمعية صحفيي كوتاهية لزيارة ولاية كوتاهية وكعادتي أجريت  بحثاً في محرك غوغل للتعرف على بعض التفاصيل حول المدينة والتي يمكن أن تُعينني على معرفة المكان الذي سأزوره.

وفي الغالب أحاول دائماً أن أربط بين ما أود البحث عنه وبين فلسطين وفق كلمات مفتاحية كي أتمكن من رصد بعض المعلومات.

ما إن كتبت كلمتي كوتاهية وفلسطين حتى ظهر لي مشروع "حديقة كوتاهية" في قطاع غزة.

تعرفت على المشروع الذي شجعني حقيقة على تلبية الدعوة لما فيه من اهتمام بالقضية الفلسطينية فشعرت أن كوتاهية في قلب فلسطين ولكنني لمست بعد الزيارة أن فلسطين تتربع على عرش قلوب الكوتاهيين.
هي ليست مجاملة ولكنه واقع عكسته انطباعات كونتها ممن التقيتهم في هذه المدينة ربما أبرزها ما قاله لي النائب مصطفى شكر نازلي أحد نواب المدينة الأربعة عندما سألني من أين أنت؟ فأجبته بأني من فلسطين عندها فاجأني بقوله مبتسماً: وأنا أيضاً فلسطيني وشرع بالحديث عن فلسطين وعشقه لها ومحبته وجميع أهالي تركيا بشكل عام وكوتاهية بشكل خاص لفلسطين والفلسطينيين ثم توسع بطرح تفاصيل بعض المشاريع التي قدمها أهل المدينة دعماً لفلسطين وقد أولى مشروع حديقة كوتاهية اهتماماً خاصاً بالشرح.

بالعودة إلى هذه المدينة التي تشتهر بصناعة الخزف والزجاج والفخار والسيراميك لعل أبرز ما شعرت به هو رقّة أهلها ودماثتهم رغم قساوة سيراميكها وصلابته التي يتفاخرون بها فقد فهمت أنهم أول من تجاوب مع فكرة الزيارة وهو ما كان واضحاً بحسن الضيافة وكرم الوفادة.

بدا واضحاً إصرار الشعب التركي على المنافسة ودخول العالمية و ومحاولة حجز رقم لهم في مصاف الدول المتقدمة من حجم الجهد المبذول في استثمار كل نعمة وهبة وهبهم الله بها لتحقيق إنجاز ما..كيف لا وقد سَخَّروا تراب ورمال كوتاهية لصناعة سجلوا عبرها بصمة لهم في عالم صناعة السيراميك وحققوا قفزات جعلت منهم رقماً صعباً على هذا الصعيد.

ولرغبتهم وحرصهم على إظهار مدى التنظيم والرعاية لهذه الصناعة وغيرها من المهن كانت زيارتنا لغرفة الصناعة والتجارة في مدينة كوتاهية حيث  استقبلَنا رئيسها السيد نافع كورال و قدم لنا بدوره معلومات عن أنشطة الغرفة وآليات عملها ولعل أبرزها عدد المنتسبين لها والذي تجاوز العشرة آلاف عضو ومجمل الخدمات التي تُقدم لهم والمشاريع التي تشرف عليها الغرفة.

أما فيما يتعلق  بالأصالة وجذور المدينة الضاربة في عمق التاريخ فقد عكس ذلك متحف المدينة وقلعتها الشاهقة التي تشرف على المدينة وكذا جامعها الكبير وأزقة أحيائها وأسواقها التجارية القديمة التي تعبق بها رائحة الماضي وعراقة الحاضر.

ولأن العلم مفتاح وعنوان تقدم الشعوب فكان لزاماً الإطلاع على آخر ما توصلت له مختبرات جامعة كوتاهية في العلوم والإبداع عبر جولة في أروقتها وهي الجامعة المقامة على مساحة أرض واسعة وينتسب لها قرابة 60 ألف طالب ويرتاد مكتبتها أكثر من ثلاثة ألف طالب يومياً.

برنامج الزيارة في الواقع كان غنياً وزاخراً ولعل ختامه كان بالعودة الى الأصول حيث زيارة ضريح الأم "هايما" والدة أرطغرل بن سليمان شاه، والد الغازي عثمان مؤسس الدولة العثمانية، وذلك في منطقة دومانيج غربي تركيا.
وهي المنطقة التي كانت المقر الصيفي  لقبيلة الكايي .

بقي القول : كوتاهية التي تحتضن في ربوعها العديد من الحضارات، وهي  المدينة الغارقة في القدم، والتي يرجع تاريخها إلى أكثر من 7 آلاف سنة، وتزخر بآثارٍ تعود لحقب متعددة أبرزها البيزنطية، والسلجوقية والعثمانية.

احتضننا شعبها مرهف الإحساس الفني الذواق، في قلبه لمدة ثلاثة أيام ظهر لنا بكل وضوح خلالها شعوره بجميع  المشاكل التي تعاني منها الأمة الإسلامية، وعدم توانيه عن المساهمة في حملات المساعدات التي تجمع للمظلومين في أنحاء متفرقة من العالم وكذا تواضع مسؤوليها ونخبها الذي كان جلياً بسلوك نوابها وأخلاق واليها وسماحة وطيبة سكانها.

هي دعوة لكل من يقرأ هذه المادة لزيارة سريعة للاستمتاع بكل تفاصيل هذه المدينة الهادئة الوادعة والاستجمام بحماماتها ومياهها المعدنية والاستثمار والاستفادة من بناها التحتية وتسهيلاتها السياحية والاقتصادية والتجارية.

عن الكاتب

ماهر حسن شاويش

كاتب وإعلامي عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس