متين غورجان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس  

في الفترة من 8 إلى 12 أكتوبر/ تشرين الأول، قامت عناصر الاستخبارات التركية والقوات الخاصة بعمليات استطلاع في شمال سوريا في إدلب وجنوب عفرين، مع الحفاظ على الاتصالات مع وحدات المعارضة السورية التي تسيطر على المنطقة. ويشكل هذا النشاط التحضيري في الواقع مسرحا عملياتيا. بعد ذلك دخلت سوريا كتيبة تركية مكونة من 100 من قوات الكوماندوز، و30 مركبة، ومعدات البناء والهندسة العسكرية.

وقال بيان صادر عن القيادة العسكرية التركية فى 13 أكتوبر إن القوات التركية التى ستعمل في منطقة وقف التصعيد في إدلب بدأت بإقامة مراكز مراقبة عسكرية على النحو المحدد خلال محادثات السلام فى أستانا بكازاخستان. في تلك الليلة، دخلت كتيبة تركية ثانية تتكون من دبابات M60 صابرا و ليوبارد 2، وبدأت في الانتشار في الشيخ بركات، وهو جبل يبلغ ارتفاعه 842 مترا يهيمن على عفرين.

ووصف نظام الأسد انتشار القوات التركية شمال إدلب بأنه "عدوان صارخ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها وانتهاك واضح للقانون الدولي ومبادئه".

تعد عملية إدلب التي  بدأت يوم 13 أكتوبر المرة الثالثة التي يدخل فيها الجيش التركي الأراضى السورية فى أقل من ثلاث سنوات. كانت المرة الأولى في فبراير/ شباط 2015،  عندما نقلت مقبرة سليمان شاه التي هددها تنظيم الدولة (داعش)، وفي أغسطس/ آب 2016، بدأت عملية درع الفرات في تطهير مثلث جرابلس - الراعي- الباب من عناصر داعش، واستمرت هذه الحملة سبعة أشهر.

وفي الوقت الحالي ووفقا لاتفاقيات أستانا، سينتشر الجنود الأتراك لستة أشهر داخل إدلب وشمالها. وهدف أنقرة من هذا الانتشار هو بناء 14 موقعا استراتيجيا للمراقبة على امتداد 50 كيلومترا بين الريحانية في تركيا ومارع  التي أدمجت بالفعل ضمن منطقة عملية درع الفرات. ومن شأن ذلك أن يُمَكّن أنقرة من إقامة منطقة تخفيف التصعيد شمالي إدلب، مع السيطرة على مرتفعات الشيخ بركات المسيطرة على جنوب عفرين، والتي ستشكل حزاما عسكريا حول عفرين.

يتوجه الاهتمام حاليا إلى مدافع الهاوتزر التركية عيار 155 مم، والمدافع الصاروخية متعددة السبطانات من عيار 122 مم في الريحانية. وإذا دخلت سيارات الدعم الحربي الثقيلة هذه أيضا إلى سوريا، فإن ذلك يعني أن تركيا سوف توسع نطاق التغطية النارية لتصل إلى عفرين، مما يجعل منطقة عفرين بأكملها تحت سيطرتها دون أن تهيمن على المجال الجوي. وعلاوة على ذلك، فإن تسليم هيئة تحرير الشام المتشددة لمناطق الهيمنة النارية مثل الشيخ بركات للجنود الأتراك دون اشتباك يشير إلى أن المفاوضات بين أنقرة والهيئة قد أسفرت عن نتائج، على الأقل في شمال إدلب. وينصب التركيز الآن على المفاوضات بشأن إدلب ذاتها التي تقوم بها أنقرة، وتراقبها روسيا بدقة.

وقالت مصادر أمنية لـ "المونيتور" إن جماعة "هيئة التحرير الشام" في إدلب عرضت بدائل على أنقرة،: تسليم أسلحتهم وتسريحهم، والسماح لهم بالبقاء في إدلب في الوقت الحاضر، أو أن يتحولوا إلى الاعتدال وينضموا إلى الجيش السوري الحر الذي تسيطر عليه أنقرة، أو الدخول في معارك مع الجيش التركي. وتقول التقارير إن من يوافقون على الانضمام إلى الجيش السوري الحر وأسرهم لن يسمح لهم بالبقاء في إدلب ولكنهم سينقلون إلى الجيب الذي طهرته عملية درع الفرات.

وهذا هو السبب في أننا قد نرى إخلاء مجموعات كبيرة بالحافلات من منطقة إدلب إلى منطقة درع الفرات. أما الذين ما زالوا في إدلب ويصرون على الاحتفاظ بأسلحتهم فسيُعدّون عناصر متطرفة أو إرهابيين. وهنا العامل الأهم: هل ستشارك الجماعات المتشددة التابعة لهيئة تحرير الشام داخل إدلب أو حولها في عمليات مقاومة ضد الانتشار؟ وإذا حدث هذا فإنه سيؤثر تأثيرا مباشرا على الجهود المبذولة لإنشاء منطقة تخفيف التصعيد في إدلب، ويمكن أن يحول بسرعة بعثة رصد وقف إطلاق النار إلى بعثة لإنفاذ وقف إطلاق النار.

أعتقد شخصيا أن هذه العناصر الراديكالية ستختار التخفي في التجمعات البشرية، وتستعد لحملة طويلة الأجل وشديدة الكثافة من الهجمات الإرهابية.

في محادثات أستانا وافقت روسيا وإيران وتركيا على إرسال 500 جندي إلى إدلب. ومن المتوقع أن ترسل تركيا أكثر من هذا العدد، بيد أنه لم ترد حتى الآن أي أنباء عن تحركات عسكرية كبيرة من جانب روسيا وإيران إلى تلك المنطقة. ويبدو أن إيران وروسيا تنتظران أن تكمل تركيا انتشارها العسكري وأن تنتهي عملية التفاوض على الأرض.

هل يمكن للتحركات العسكرية التركية أن تزداد وتتحول إلى عملية عسكرية كبيرة على عفرين؟ جوابي هو نعم، فأنقرة ترغب في هذا كثيرا، ولكن إذا وافقت روسيا.

وعلى ذلك يتعين علينا رصد ثلاثة مؤشرات عسكرية رئيسية على أرض الواقع. أولا، هل سينسحب الجنود الروس بالفعل من عفرين؟ وثانيا، هل ستفتح روسيا المجال الجوي الذي تسيطر عليه بقوة غرب نهر الفرات أمام الطائرات الحربية والطائرات العمودية التركية؟ وأخيرا، هل سيُسمح لقوات الأسد بالاقتراب من المنطقة؟ وبالنظر إلى هذه الخيارات، فإن تقييمي هو أن روسيا لن تسمح لتركيا بفرض سيطرتها الكاملة على عفرين بحيث تحاصرها من الجنوب.

وكما أكدت في مقال سابق، فإن روسيا، بإبقائها تركيا في خضم عملية محتملة بشأن عفرين، تريد أن تحول دون تعميق العلاقات الأمريكية مع وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين. ويقول المسؤولون الأتراك إن وحدات حماية الشعب المدعومة من الولايات المتحدة هي امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي تعده تركيا جماعة إرهابية.

ومن ثم فإن الخيار الأكثر منطقية لروسيا هو السماح لتركيا بدرجة من السيطرة على جنوب عفرين لتهدئة أنقرة، مع تشجيع المفاوضات بين وحدات حماية الشعب التي تسيطر حاليا على عفرين ونظام الأسد للسماح للجيش السوري بالسيطرة عليها.

والسؤال هو هل ستنجح هذه الخطة الروسية؟ يجب أن نسأل الروس: الوضع يزداد سخونة اليوم، فهل هناك خطة للتخفيف من حدة المواجهة المحتملة بين الجيش التركي ووحدات حماية الشعب في جنوب عفرين؟

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس