ترك برس

يرى الباحث في الشأن التركي علي حسين باكير، أن موسكو لا تريد أن تترك الورقة الكردية في المنطقة لواشنطن فقط، وتسعى إلى استخدامها في ظل المزاحمة المتواجدة في الأدوار والنفوذ بين اللاعبين الإقليميين والدوليين في العراق وسوريا.

وقال باكير، في تقرير تحليلي بصحيفة العرب القطرية، إن الموقف الروسي بشأن وضع الأكراد في سوريا والعراق كان الأكثر ازدواجيّة وغموضاً، مقارنة مع الأطراف الأخرى، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول سبب هذه الازدواجية وأهدافها.

وأشار إلى أنه عندما قامت تركيا بإسقاط مقاتلة روسية في نوفمبر من العام 2015، استخدمت روسيا الورقة الكردية في وجه أنقرة، ففتحت مكتباً تمثيلياً لميليشيات (بي واي دي) في موسكو، ورُفِعَت في صدر المكتب خرائط تشير إلى اقتطاع الشمال السوري ضمن الطموح الكردي الصاعد.

لكن ما إن تمّ تطبيع العلاقات بين البلدين، حتى قامت موسكو بتعديل موقفها بشكل ساعد الجانب التركي على احتواء خطر الميليشيات الكردية على حدودها الجنوبية بشكل مؤقت.

وبحسب الكاتب، لم يكن ذلك بمثابة تخلٍ نهائي لموسكو عن الورقة الكرديّة، فهي تدعم إعطاءهم المزيد من الصلاحيات الموسعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية تحت مسمى "الفيدرالية" بشكل يتضارب مع حدود دولة سورية موحّدة.

وقد عكست تصوراتها في هذا الإطار في مسودة الدستور الذي أعدته لسوريا، وفي مبادرات أخرى "كمؤتمر شعوب سوريا" لكن ذلك لم يمنعها من تهديد قوات سوريا الديمقراطية التي تشكّل ميليشيات (واي بي جي) الكردية غالبيتها العظمى، أو ربما قصفها بالفعل.

في نفس السياق، كشف الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان العراق في سبتمبر الماضي عن ازدواجية روسية مماثلة، إذ أصدرت موسكو حينها بياناً تدعم فيه وحدة الأراضي العراقية لكنها أكدت في نفس الوقت على احترام التطلعات القومية للشعب الكردي على حد قولها.

وعندما أجرى وزير الخارجية العراقي زيارة إلى موسكو للحصول على دعمها للإجراءات التي تقوم بها الحكومة العراقية، دعا لافروف الأكراد إلى العمل مع الحكومة المركزية لكنه عبر عن تفهمه لـ"آمال الشعب الكردي فيما يتعلق بكفاحهم لتعزيز هويتهم وإدراكهم للذات"، ورفض كذلك إغلاق القنصلية في أربيل أو قطع العلاقات الاقتصادية الروسية مع إقليم كردستان العراق.

واعتبر باكير أن هناك من يعتقد في موسكو أن هذه الازدواجية ستساعدها على تعزيز نفوذها في ظل التشظي الشديد الذي تشهده المنطقة ودولها. لطالما كانت الأقليات القومية والطائفية والدينية مدخلاً لتحقيق مثل هذا الهدف حتى في ظل الدولة الموحدة.

أما وقد أصبحت معظم دول المنطقة فاشلة، أضحت الحاجة إلى إقامة علاقات قوية مع هذه الأقليات عنصراً ضرورياً لتوطين النفوذ الخارجي والموقف الروسي من الأكراد لا يخرج عن هذا الإطار.

وأضاف أنه مع تراجع موقع ودور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتصاعد الدور الروسي مؤخراً، تكتسب العلاقة مع الأقليات بعداً خاصاً في السياسة الخارجية الروسية.

موسكو لا تريد أن تترك الورقة الكردية في المنطقة لواشنطن فقط، وتسعى إلى استخدامها في ظل المزاحمة المتواجدة في الأدوار والنفوذ بين اللاعبين الإقليميين والدوليين في العراق وسوريا.

وفي هذا السياق، لا تدخل العلاقة بين روسيا والمكوّن الكردي في هذه البلدان في إطار الاكتفاء بتحقيق الأهداف المذكورة أعلاه فقط، وإنما من الممكن استخدامها لاحقاً في إطار التحكم بسلوك ودور المكونات الداخلية في البلدين، أو في سلوك ودور اللاعبين الإقليميين كتركيا وإيران.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!