إسماعيل ياشا - أخبار تركيا

القلب يحزن، والعين تدمع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب عز وجل، وإنا على فراق مدينة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لمحزونون. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

اتصل بي كفيلي في السعودية قبل حوالي ثلاثة أسابيع وأبلغني بأن وزارة الداخلية أصدرت في حقي قرار الترحيل في العاشر من رمضان دون إبداء أي سبب، وذكر فقط أني “غير مرغوب به” في المملكة، وأبلغت فيما بعد أن وزير الداخلية يحق له بناء على مادة نسيت رقمها أن يبعد من يريده من البلاد دون إبداء سبب.

القرار كان مفاجئا وصادما، وحاولت لأجد له حلا ولكن دون جدوى، وحاولت أن أعرف السبب لأعرف ما هي الجريمة التي ارتكبتها، وهل هي وشاية أم لا، ولكن دون جدوى أيضا. قيل لي من هنا وهناك أشياء كثيرة. أحدهم قال إن السبب قد يكون كتابتي في صحيفة العرب القطرية والآخر زعم أن محتوى مقالاتي وتغريداتي هو السبب. ولعل أطرف تهمة سمعتها وهي وصلت إلي بعد مغادرتي للسعودية هي أني قمت بـ”تحريض النساء على السلطة”. ومن يسمع هذه التهمة قد يعتقد أني قمت بتنظيم مظاهرة، ولكنها في الحقيقة ما هي إلا عدة تغريدات مؤيدة لقيادة المرأة للسيارة فقط لا غير.

لم يكن لي أي نشاط سياسي أو اجتماعي، ولا حتى مخالفة مرورية، ولم يتم استدعائي ولا التحقيق معي، ولم يأت إلى بيتي أحد من رجال الشرطة ولا المباحث. ولا أبرِّئ نفسي ولا أزكيها، إلا أني أحاول أن أكون “أديبا” سواء في الغربة أو في الوطن، وأحب الالتزام بالقوانين. ولا أنتمي لحزب ولا جماعة، ولا أرى الانتماء لهما جريمة ولكن حريتي أوسع مما يحدها حزب أو جماعة. ولم أكن على ارتباط مع الحكومة ومؤسساتها ولم أتقاضَ منها قرشا واحدا.

منذ أن نشرت تغريدة أخبرت فيها ترحيلي إلى تركيا تتوالى الردود، وتأكدت مرة أخرى من حكمة المثل القائل: “كل إناء بما فيه ينضح”. والمضحك أن بعضهم يعتقد أن رزقي انقطع مع ترحيلي أو أن الأوضاع في بلدي صعبة، وهذا غير صحيح، ومنذ وصولي إلى تركيا تلقيت عدة عروض للعمل ولكني اعتذرت، لأني سأستمر في الكتابة بإذن الله، ولست بحاجة إلى عمل آخر، وبالتالي فرحة الشامتين ليست في محلها، ولكني أشفق على هؤلاء الذين يتم ترحيلهم إلى الصومال أو أرتريا أو غيرها من الدول التي يلقى المرحَّل إليها معاناة ومشاكل مختلفة.

يأتي بعضهم بتغريدات كتبتها حول احتمال اشتداد المعركة الإعلامية بين تركيا والسعودية، وهي كانت مجرد تخمين وتحذير مُحِبٍّ لكلا البلدين. وبغض النظر عن الأسباب، يسرني تعزيز العلاقات بين وطني تركيا والسعودية التي أحب شعبها وبيئتها الإسلامية، وبكل تأكيد يحزنني تدهور العلاقات التركية السعودية.

لم أحرِّض على السلطة السعودية وأنا بين أيديها في المملكة ولن أحرض عليها وأنا خارج المملكة وتم ترحيلي منها، لأن التحريض ليس من مهمتي ولا من أخلاقي، ومن يريد أن يرى التحريض فلينظر إلى الحملة القذرة التي تشنها أقلام وسائل إعلام عربية معروفة ضد تركيا وقيادتها. فمنهم من يتهم تركيا باحتلال أراض سورية ومنهم من يدعو إلى حظر السياحة إلى تركيا لتدمير اقتصادها. وأظن أن الكثير منكم استمعتم إلى كلمة معالي وزير الشؤون الإسلامية السعودي سليمان أبا الخيل الذي وصف تركيا بالدولة “الفاسقة” و”الفاجرة” و”الفاسدة”، بل ذهب إلى ما بعد ذلك وقال إنها أبعد دولة أوروبية عن دين الله.

كانت جماعة كولن قامت بتهديدي قبل حوالي سنة بأنه سيتم “طردي” من المدينة وأن الاستخبارات السعودية تراقبني، ولا أدري هل للجماعة يد في ترحيلي أو لا، وإن كانت لها يد فيه فإنه اختراق خطير للأمن السعودي.

المدينة تسكن في القلب، وأنا راغب في العودة إليها، ولكني لن أسأل إلا من الذي إن يردني بخير فلا رادَّ لفضله وهو على كل شيء قدير.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس