ترك برس

تناول تقرير للباحث في الشؤون الدولية والاستراتيجية، علي حسين باكير، في صحيفة القبس الكويتية، حقيقة المزاعم التي طُرحت مؤخرًا بشأن عملية "غصن الزيتون" التي أطلقتها تركيا ضد ميليشيات "حزب الاتحاد الديمقراطية" (PYD)، وجناحه العسكري "وحدات حماية الشعب" (YPG)، في منطقة عفرين السورية.

وذكرت العديد من التقارير، قبل انطلاق عملية "غصن الزيتون"، أنّ تركيا ستكون بحاجة الى ضوء أخضر روسي للقيام بها وانّ ذلك لن يتم ما لم تقدّم أنقرة تنازلات لموسكو بهذا الشأن، على الأقل من اجل ضمان عدم عرقلة الأخيرة لهذه العملية.

وبحسب باكير، طُرٍحت بعض النظريات المتعلقة بموضوع المقايضة المفترضة هذه، فالبعض ذكر انّ تركيا قدّمت تنازلات بالفعل فيما يتعلق بمؤتمر سوتشي المرتقب الذي تحضّر له موسكو، وأنّ جوهر هذه التنازلات يتعلق بتمثيل ميليشيات PYD في المؤتمر.

فيما أشار البعض الآخر الى انّ أنقرة أعطت تعهدات تفيد بأنّ العملية العسكرية في عفرين ستكون الأخيرة لها في سوريا ضد الميليشيات الكردية.

وزعمت بعض التقارير أنّ روسيا سمحت للجانب التركي بالقيام بالعملية العسكرية، مقابل تعهد انقرة بأن تقوم فيما بعد، بتسليم المناطق التي تعمل على تحريرها، وتطهيرها من ميليشيات PYD الكردية، الى نظام الأسد. وقد نسبت هذه التقارير هذا الزعم الى مصادر رسميّة تركيّة دون أن تسمّيها.

وقال الباحث: حتى الآن، لا يوجد ما يؤكّد مثل هذه المزاعم حول حصول مقايضة بين تركيا وروسيا. الخارجية التركية نفت بشكل قاطع أن تقتصر العمليات العسكرية التركية ضد التنظيمات الإرهابية على عفرين فقط.

وفيما يتعلق بمؤتمر سوتشي، فلا يزال الجانب التركي يتمسك في موقفه الأساسي القائل بأنّ هناك شرائح واسعة من أكراد سوريا يمكنهم المشاركة وأنّه من غير المقبول إشراك ميليشيات PYD في المؤتمر المذكور أو العملية السياسية تحت طائلة مقاطعة أنقرة لهذه الاستحقاقات في حال تمّ مثل هذا الأمر.

ونقل باكير عن مصادر في الخارجية التركية قولها إن "أنقرة لم تقم بتقديم أي تنازلات على أي مستوى، لا فيما يتعلق بمؤتمر سوتشي المرتقب، ولا في أي شيء آخر"، مشيرة إلى أن "سيطرة روسيا على المجال الجوي السوري تطلّب تنسيقا مسبقا معها بهذا الشأن لضمان عدم حصول احتكاك، خاصة في ظل الغطاء الذي يقدمه سلاح الجو التركي للعملية البرية".

واستناداً إلى نفس المصادر الرسمية التركية، فإن ما ذُكر في الإعلام حول تواصل تركي مع النظام السوري هو عبارة عن "رسالة إخطار تمّ توجيهها من السلطات التركية الى القنصلية العامة في إسطنبول، وذلك لمراعاة المتطلبات القانونية للعملية العسكرية على المستوى الدولي، ولقطع الطريق على أي جهة تحاول تقويض المبررات القانونيّة للعملية العسكرية او الطابع الدفاعي لها والذي تكفله المادة 51 من ميثاق الأمم المتّحدة، بما في ذلك محاولات النظام السوري نفسه".

أمّا فيما يتعلق بالمزاعم القائلة بوجود تعهدات لتسليم المناطق التي يتم تحريرها الى النظام السوري فيما بعد، فهي لا تبدو منطقية على الإطلاق، الا اذا كانت تتضمن تعهدات بأنّ يقوم النظام نفسه بحماية تركيا والحدود التركية من أي اعتداء يتم من داخل الأراضي السورية، وهو أمر من غير الممكن لتركيا أن تقبل به حتى اذا ما تغاضينا عن الموقف الأساسي من بشار الأسد وشرعيته، وذلك على اعتبار انّ الأسد لا يملك سيطرة حقيقيّة على الأرض، وبالتالي فمن غير الممكن له ان يقدّم ضمانات.

فضلاً عن ذلك، فالمشكلة لا تتعلق فقط بحماية الحدود، وإنما حماية سكان المنطقة وحماية قوات الجيش الحر، ولذلك فإن هذا السيناريو مستبعد بهذا الشكل المطروح.

وتابع التقرير: الموقف الرسمي لإيران يتناقض مع ما يقال عن صفقة لتسليم الحدود الى النظام السوري. فالجانب الايراني اكد انّ استمرار العملية العسكرية التركية في عفرين قد يفيد ما سمّاه "الجماعات الإرهابية". ولا شك انّ طهران تخشى من خلال موقفها هذا أن يؤول الامر في هذه المناطق في النهاية لصالح المعارضة السورية.

صحيح انّ إيران ليس على توافق الآن مع الميليشيات الكردية لكنّها تعلم تماماً أنّ هذه الميليشيات ليست معادية للأسد، على عكس المعارضة السورية، وأنّ أي سيطرة للمعارضة على الأرض ليست في صالح النظام السوري على الإطلاق، على عكس الميليشيات الكردية التي يمكن التوصل الى تفاهمات معها.

إذا لم يكن هناك مقايضة تركية – روسية بشأن عفرين، فكيف يمكن تفسير ما جرى؟ المعطيات تقول انّ روسيا منزعجة هي الأخرى من ميليشيات PYD الكردية لكن لأسباب تتعلق بتحوّلها الى أداة أميركية خالصة، وهو امر لا يصب في مصلحة موسكو في سوريا، لا على الصعيد العسكري، ولا على الصعيد السياسي، ويفترض ان يتم التعامل معها من خلال الاحتواء وليس القطيعة.

بعض القيادات الكرديّة أكّدت أيضاً انّ الجانب الروسي حاول تمرير صفقة مع PYD في عفرين قبيل انطلاق عملية "غصن الزيتون"، فعرضت عليهم الانسحاب وتسليم المدينة لقوات النظام السوري لتجنيبهم العملية العسكرية التركية، لكن الجانب الكردي رفض.

ومن غير المعروف ما إذا كانت الميليشيات الكردية قد راهنت على أنّ روسيا ستعرقل في نهاية المطاف العملية التركية، معتقدةً انّ موسكو حاولت الاستفادة من زخمها الإعلامي لتحصيل مكاسب من الجانب الكردي، او انّها كانت تعتقد أن الولايات المتّحدة ستمنع تركيا من شن العملية وقد وقعت بالتالي في حسابات خاطئة.

أيّاً يكن الأمر، فإن ّ موسكو لا تريد ان تخسر الورقة الكردية بالكامل، ولا تريد ان تذهب هذه الورقة الى واشنطن كذلك، فهي ترى ربما ان توجيه ضربات لتنظيم PYD من خلال تركيا سيؤدي الى تحجيمه عسكريا كأداة أميركية، وسيظل بإمكان روسيا ان تدعم اكراد سوريا سياسيا من خلال المنصات التي تشارك بها، وهذا يعني انّها في معادلة رابحة من الجهتين، وهو ما يفسر ربما لماذا لم تعرقل موسكو العملية العسكرية التركية ضد عفرين.

بالإضافة الى ذلك، فإن روسيا لا تزال بحاجة الى جهود تركيا في مجالين على الأقل في سوريا، الأوّل هو الحفاظ على مناطق خفض التوتر، والتي تتطلب المزيد من الانتشار التركي في إدلب، والثاني هو إتمام العملية السياسية في سوريا، وهذا يعني أنّ أي عرقلة للعملية العسكرية التركيّة ضد عفرين قد يؤدي الى تخريب المسار السياسي، وتذهب كل جهود روسيا أدراج الرياح.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!