ترك برس
لا تزالُ هويةُ الشخص الذي أدخل السيارات للمرة الأولى إلى الإمبراطورية العثمانية، والتاريخ الذي أدخلها فيه مجهولين حتى اليوم. في أربعينيات القرن التاسع عشر، سنة 1832 بالتحديد، قامت الجريدة الرسمية آنذاك "تكويم فيكايي" (Takvim-i Vekayi) بنشر مقالٍ للمرة الأولى حول السيارة البخارية، واستخدمت لوصفها مصطلح "ذات الحركة" (zatü'lhareke)، وهي ما يقابل الاسم اللاتيني للسيارة في تلك الفترة باللغة التركية. وفيما بعد، انتشر استخدامُ مصطلح السيارة بين العوام.
سنة 1861، قام رجلا الأعمال "لامور" و"غاراتشينو" بتقديم طلب رسمي إلى السلطات العثمانية لإرسال أول سيارةٍ بخارية للإمبراطورية، لكنهما لم يحصلا على أية نتيجة.
اهتمامُ السلطان عبد الحميد الثاني بالسيارات
على الرغم من أن إدخال السيارات البخارية إلى العاصمة العثمانية كان صعب التحقق، إلا أن السيارات الكهربائية استطاعت دخولها مبكرًا، بفضل مراقبة السلطان عبد الحميد الثاني للتطورات الحاصلة في أوروبا والعالم عن كثب.
كانت المرة الأولى التي فكر فيها السلطان عبد الحميد بجلب سيارةٍ كهربائيةٍ إلى إسطنبول سنة 1888. حين قرأ عنها في مجلة "المهندس" (Engineer) التي خصصت فصلًا للسيارة الكهربائية المُعدّة في إنجلترا، كما نشرت صورةً لمهندسيها.
استمرّ اهتمامُ السلطان عبد الحميد بالسيارات لسنوات، وفي سنة 1895 قام السفير العثماني المبعوث إلى فرنسا، يوسف ضياء، بإرسال ألبومات صورٍ وكتالوغاتٍ إلى قصر يلدز، خاصةً بـ"بيجو" (Peugeot)، التي تعد اليوم الأولى في صناعة السيارات في فرنسا والثانية أوروبيًا، بالإضافة لكتالوغاتٍ خاصةٍ بـ"بانهارد" (Panhard) و"ليفاسور" (Levassor).
وفي تقريره الصادر في آذار/ مارس سنة 1889، أشار صالح منير، وهو سفيرٌ عثمانيٌّ آخر في باريس، إلى أنه قام بطلب سيارةٍ كهربائيةٍ صغيرة وأخرى كبيرة بالنيابة عن السلطان.
سياراتٌ تعمل بالبنزين في أوائل القرن العشرين
أُرسل أول طلبٍ من الإمبراطورية العثمانية لشراء السيارات، من جزيرة ليسبوس، ثم تلتها العاصمة سنة 1903. تم التخطيط لإنشاء طريقٍ بين منطقتي "كارتال" و"ياكاجيك"، ولكن تم رفضه من قبل السلطات. وعلى الرغم من الرفض بدأت سيارة الغاز الظهور في إسطنبول سنة 1904، حيث قدّم رجلٌ أوروبيٌّ يُدعى "شانفيلد" طلبًا للحصول على سيارة وإحضارها إلى إسطنبول، بالنيابة عن شركة "غوديل" الألمانية التي كان يمثلها.
لم يكن شانفيلد الوحيد في ذلك، فقد قام الكثيرون غيره في ذلك الحين بإرسال طلباتٍ لشركات سيارات الغاز الأوروبية. لم يكن من السهل على الإمبراطورية الردًّ على ذلك، فبحسب قوانينها كان يُمنع إدخال الأدوات الكهربائية للبلاد، لكنها لم تكن قد وضعت بعد قانونًا متعلقًا بالآلات التي تستخدم الغاز.
وبسبب ذلك، كانت هناك مراسلاتٌ مكثفةٌ بين الإدارات المختلفة قبل الردّ على طلبات شراء سيارات الغاز، ولكن لم يتمّ الرد. الأمرُ الذي دفع المُشترين من سكان الإمبراطورية لتهديد الدولة بالذهاب إلى المحكمة بسبب تعطيل أشغالهم.
لم يقتصر الأمر على الزبائن فحسب، فحتى السفارةُ الفرنسيةُ تدخلت بقضية إدخال سيارات الغاز للإمبراطورية، وعندها تقرّر إعادةُ السيارات لأن الطرق في إسطنبول لم تكن مُعدةً لاستخدام السيارات التي تعمل بالغاز. ومن هنا، تم حظر السيارات التي تعمل بالغاز أيضًا من دخول إسطنبول.
إعفاء الأمير الروماني من الحكم المتعلق باستخدام السيارات
في العاصمة العثمانية، تم حظر استخدام السيارات الكهربائية والغازية باستثناء تلك التي تم جلبُها إلى عبد الحميد الثاني. ومع ذلك، سُمح للأمير الروماني، بيسو، بجلب سيارته إلى إسطنبول سنة 1905 عندما طلب الإذن للذهاب من إسطنبول إلى أوروبا بسيارته الخاصة.
وحينما دخل روبرت جيفرسون البريطاني الأراضي العثمانية بسيارته عبر صوفيا بعد المرور بصربيا وبلغاريا، قامت السفارةُ البريطانية بتقديم طلبٍ رسمي لتجنب أي عقباتٍ قد تسببها الحكومة العثمانية لجيفرسون. وبعد الحصول على الإذن المطلوب، أرسلت الحكومة رسائل إلى ولاية إدرنة، وحاكم تشاتالجا، ووزارة الدرك، والبلدية لمنع التدخل بخطّ سير جيفرسون. كما طُلب من المسؤولين أن يكونوا حذرين بشأنه، وأن يكتبوا تقريرًا في حالة حصول أي شيءٍ لم توافق عليه الحكومة.
عبر جيفرسون تشاتالجا في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر، لكنه لم يتوقف هناك، وقد كان سريعًا جدًا بحيث لم يمكن إيقافه. في اليوم التالي، قدم حاكم تشاتالجا رسالةً لوزارة الداخلية ورد فيها: "اثنان من الأجانب انطلقا لإسطنبول من بويوك تشكمجه في العاشرة صباح الأمس، ولم يكن من الممكن إيقافهم للتعرف على هوياتهم بسبب سرعتهم الفائقة". عُرف بعد ذلك أن جيفرسون قد دخل فندق قصر بيرا بعد دخوله إسطنبول عبر بويوك تشكمجه.
مقالاتٌ عن السيارات في الصحافة العثمانية
في عام 1906، بدأت الصحافةُ العثمانيةُ في عرض أخبارٍ عن السيارات التي بدأت تدريجيًا بدخول الحياة اليومية في الإمبراطورية. على سبيل المثال، في السادس من كانون الثاني/ يناير من ذلك العام، نشرت صحيفة صباح ديلي مقالًا بعنوان "السفر بالسيارات" تحدثت فيه عن سفر "مونسيور غاليدي" حول العالم بسيارته الخاصة.
ومن ضمن تلك الأخبار والتقارير أيضًا، مقالة "السطو باستخدام السيارات" في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 1906، و"حوادث السيارات" في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 1906، و"رحلةٌ إلى بولندا بالسيارة" في 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1906، و"سباق السيارات" في 3 كانون الأول/ ديسمبر 1906.
زاد اهتمام المجتمع العثماني بالسيارات، خاصةً مع اطلاعهم على آخر التطورات في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وتزامنًا مع ذلك، بدأت السيارات بالظهور في شوارع إسطنبول في تلك الفترة.
شملت تقارير الصحف العثمانية، أخبارًا مثيرةً للاهتمام، مثل المقال الذي نُشر في الـ 13 من تشرين الثاني سنة 1906 بعنوان "اختطاف الفتيات بالسيارات"، والذي ورد فيه: "اختطاف الفتيات بالسيارات أصبح مألوفًا في أوروبا هذه الأيام. والعديد من الفتيات قد هربن مع عشاقهنّ في فرنسا باستخدام السيارات".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!