ترك برس

تناول التقرير الذي أصدرته مؤسسة أبحاث السياسات الاقتصادية التركية التقدّم الذي أحرزته تركيا في ملف الاتحاد الأوروبي عام 2014 بالاعتماد على تقرير الاتحاد الأوروبي عن تقدّم تركيا في العام نفسه، في الوقت الذي تتمّ فيه مناقشة إعادة العلاقات من جديد بين تركيا والاتّحاد.

ويشير التقرير الذي يهدف إلى إعادة الأمل في إحياء العلاقات بين الطّرفين، إلى حدوث تطورات في كل من تركيا والاتحاد الأوروبي. ففي تركيا؛ تمّ تشكيل مجلس وزراء عقب انتخابات رئاسة الجمهورية. وفي الاتحاد الأوروبي؛ تمّ إجراء انتخابات برلمانية، وتمّ بعدها تعيين أشخاص جُدد في مناصب عُليا مثل رئاسة المفوضيّة الأوروبية والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية إضافة إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

وكما هو معروف فقد أُعلِنت 2014 سنةَ الاتحاد الأوروبي من قبل رئيس الوزراء التركي السابق رجب طيب أردوغان في العامِ الماضي. وهُنا يبرز تساؤل: هل أدّى هذا الإعلان إلى إحياء العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي؟ لكي نرد على هذا السؤال ينبغي أولا أن نلقي نظرة على التطورات التي جرت في تركيا والاتحاد الأوروبي في الفترة التي تلت هذا الإعلان.

1- التطورات الأخيرة في تركيا

تأسست الحكومة التركية الثانية والستين بعد انتخابات رئاسة الجمهورية في تركيا، وأكّدت الحكومة في برنامجها أنّ عضوية الاتحاد الأوروبي هي هدف استراتيجي. وعقب هذه التطورات تمّ تعيين فولكان بوزكير وزيراً لشؤون الاتحاد الأوروبي، والذي عمل سابقاً في مؤسسات مهتمّة بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

طوّرت وزارة الاتحاد الأوروبي تقرير "الهدف الاستراتيجي لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي" الذي نُشِر في شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2010، ونتيجة لعملية التطوير أعلنت الوزارة عن "استراتيجية تركيا الجديدة تجاه الاتحاد الأوروبي" في 18 أيلول/ سبتمبر في عام 2014 بهدف إحياء ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وأكّدت رئاسة الوزراء في التعميم الذي أصدرته في 5 كانون الثاني/ يناير مرة أخرى أنّ انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هو هدف استراتيجي، وأنّ العمل من أجل العضوية سيبدأ في الفترة المقبلة وسيسير وفق الاستراتيجية.

وبحسب نتائج  استطلاعات مركز أبحاث الميول العابر للأطلسي التي أعلنت في 19 أيلول/ سبتمبر 2014، فإنّ 53% من الشعب التركي يرغبون بالدخول للاتحاد الأوروبي بزيادة مقارنة مع العام 2013 حيث كانت النسبة 45%.

2- التطورات في الاتحاد الأوروبي

إذا نظرنا إلى جهة الاتحاد الأوروبي، فعلى الرغم من التطورات السلبية بسبب زيادة أصوات الأحزاب المُعارضة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي أُجريت في شهر أيار/ مايو ومع أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات كانت منخفضة جداً، لم يؤثّر هذا على الأحزاب الموجودة في البرلمان كثيراً. (حزب الشعب الأوروبي والحزب الاشتراكي لا يزالان أقوى الأحزاب)

وقد حصل رئيس حزب الشعب الأوروبي جان كلود يونكر على أكثر الأصوات، وأصبح رئيساً للمفوضية الأوروبية وفقاً لأحكام معاهدة ليزبون. وتمّ تعيين فريدريكا موغريني ممثلة عليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية. واستُقبِلت هذه الانتخابات والتعيينات إيجابياً في تركيا.

وهُنا يجدر النّظر عن قرب إلى التفاعلات المحتملة لعملية انضمام تركيا، والتطورات التي يُعتقد أنّها ستُحدِث حيوية في العلاقات بين الأطراف والتي يُمكن تقييمها بشكل إيجابي.

3- هل يتم إحياء عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي من جديد؟

كانت عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي هدفاً استراتيجياً لجميع الحكومات في السنوات الأخيرة. رُبّما تُعطي استراتيجية الاتحاد الأوروبي التي تمّ تجديدها من قبل وزارة الاتحاد الأوروبي أملاً في مستقبل العلاقات والتحضيرات في هذا الصّدد. ولكن من دون تحديد أسباب عدم نجاح الاستراتيجية السابقة في إحداث تقدّم في الملف، ودون تنظيم حلول جديدة لإنهاء المشاكل في الاستراتيجية الجديدة لا يُمكن إجراء مُقاربة واقعية لتحقيق ذلك.

أ) وجهة نظر الاتّحاد الأوروبي

ليس من المتوقع أن تصب التغيّرات المهمّة في سياسة الاتحاد الأوروبي في صالح تركيا، حتّى لو تمّ تغيير الأشخاص الذين هم في مناصب هامة في مؤسسات الاتحاد الأوروبي. فإذا نظرنا إلى السنوات السابقة نجد أنّ رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر قال إنّه لا يوافق على عضوية تركيا التي تميل إلى الحد من الحريات الأساسية للمواطنين. حتّى رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز الذي كان يدعم تركيا دائماً، فقد علّق على إغلاق موقع تويتر في تركيا في فترة الانتخابات بقوله إنّ تركيا تبعد نفسها عن قِيَم الاتّحاد الأوروبي.

ب) نظرة عامة على الدعم لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي

يقلق الذين يؤمنون بالفائدة التي ستعود بها عضوية تركيا على الاتحاد الأوروبي من بقاء جهود ملف انضمام تركيا كلاماً فقط، ولذلك تريد هذه المجموعة ما يريده الاتحاد الأوروبي؛ وهو اتّخاذ خطوات محدّدة وتنفيذها عبر معايير كوبنهاغن السياسية، وأن تبذل الحكومة جهوداً للحفاظ على الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون واستقلال القضاء وحرية الصحافة في تركيا.

المسألة الأخرى التي تتّفق عليها مجموعة من الأتراك والاتحاد الأوروبي هي مسألة تأشيرات الدخول. فقد كان من المتوقع من خلال الحوار الذي بدأ في عام 2013 بين تركيا والاتحاد الأوروبي أن تُزال التأشيرات في حال قيام تركيا بالمسؤوليات المُترتّبة حسب الاتّفاق وإعادة قبول خريطة الطّريق.

إضافة إلى ذلك يُعدّ التعاون في السياسة الخارجية بين الطرفين عنصراً هاماً لانتهاء حالة عدم الثقة بينهم. وقد ساعدت التطورات في تركيا والمناطق المجاورة للاتحاد الأوروبي إلى جانب موقف تركيا من اللاجئين السوريين في اكتساب الاتحاد الأوروبي شريكاً استراتيجياً.

3- هل أتى تقرير التقدّم في ملف عضوية الاتحاد الأوروبي لعام 2014 بوجهة نظر جديدة في العلاقات بين الطرفين؟

لم يأتِ تقرير التقدم الأخير الذي أعدته اللجنة الأوروبية لتركيا بجديدٍ حول نظرة الاتحاد الأوروبي إلى تركيا وحول العلاقات بين الأطراف. فقد أفاد التقرير بأنّ تركيا مصرّة على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أنّ الاتحاد الأوروبي لم يُقدّم رغم ذلك أي معلومات عن مفاوضات انضمام تركيا. وفي هذا الصّدد قُسّم التقرير إلى عدّة أقسام كما يلي.

أ) معايير سياسية

يدعو هذا القسم من التقرير إلى الوقوف جدياً على الموضوعات التي يهتم بها الاتحاد الأوروبي، خاصة في موضوع سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء وحرية التعبير والصحافة، وأخيراً التحقيق في الفساد وطريقة تناول هذا التحقيق في تركيا. وفي هذا السياق تمّ تناول بعض الموضوعات بشكل إيجابي مثل المصالحة التركية وموقف تركيا تجاه اللاجئين والمفتش العام والحقوق الثقافية للأقليات.

وكانت المواضيع التي تمت مناقشتها بشكل رئيسي في قسم المعايير السياسية في تقرير عام 2013 هي موقف تركيا ضد المظاهرات في أحداث غيزي بارك، أمّا في تقريرها عام 2014 فقد كان على رأس المسائل التي تمت مناقشتها البحث عن ادعاءات الفساد. وقد لفتت اللجنة الأوروبية النظر إلى تأخر الحكومة التركية في الرد على ادعاءات الفساد.

كما تناول تقرير التقدم لعام 2014 المصالحة الوطنية التي كانت أكثر البنود إيجابية كما في السنة الماضية. كما تناول الانتخابات المحلية وانتخابات رئاسة الجمهورية. وعلّق التقرير على هذه الانتخابات بقوله إنّ رئيس الوزراء استغل في هذه الفترة موارد الدولة ووسائل الإعلام.

ب) قبرص

أكّدت أطراف أوروبية دعمها للمصالحة التي طرحتها تركيا بين شطري قبرص، إلا أنّ تركيا تعرّضت من جهة أخرى للانتقاد بسبب حديثها عن التنقيب عن موارد الطاقة الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الواقعة في جنوب قبرص. وفي هذا السياق أكّدت مؤسسات الاتحاد الأوروبي على حقوقها في البحث عن الموارد الطبيعية داخل حدودها وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة للقانون الدولي والقانون الدولي لأعالي البحار.

ومع انسحاب جنوب قبرص من المفاوضات لهذه الأسباب فقد اكتسب هذا الموضوع أهمية أكبر من قبل الاتحاد الأوروبي.

ج) معايير اقتصادية

لم تحدث تغييرات في وجهات النظر إزاء إجراءات تركيا. وقد ورد تعليق على أنّ تركيا ما زالت مستمرة في مسعى تبنّي اقتصاد السوق، لكنّها تغطّي باستثمارها غير المتوازن عجزها الجاري والتضخم المالي. وكان التّحذير الأهم من انخفاض معدّل النمو والعجز الجاري المرتفع والدين الخارجي.

ويلفت التقرير الانتباه إلى أنّ السياسات الاقتصادية في الفترة الأخيرة تأثرت من التراجعات السياسية في البلاد.

د) الاتحاد الجمركي

قدّم البنك الدولي تقييماً للاتحاد الجمركي في شهر نيسان/ أبريل الماضي، تحدّث فيه عن توسيع العلاقات التجارية وتناول المشاكل التي قد تنجم عن ذلك، إلا أنّه لم يُحدّد أي إجراءات يمكن اتّخاذها لتحقيق ذلك.

هـ) الامتثال لطلبات الاتحاد الأوروبي

لم تطرأ أي تغييرات هامة خلال السنة الماضية على حالة امتثال تركيا مع متطلّبات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وقد كشف التقرير أنّ تركيا تقدّمت في 24 فصلاً من فصول المفاوضات وعلى رأسها حرية حركة السلع والخدمات المالية والطاقة والسياسات الإقليمية. إلا أنّ هذه الإجراءات لا تنعكس على عملية التفاوض، خاصة بسبب تأثير العقبات السياسية.

خلاصة

حين نلقي نظرة على العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي في ضوء تقرير التقدّم 2014، لا يمكننا الخروج بتقييم إيجابي للعلاقات ولملف عضوية تركيا في الاتحاد.

يُعطي التقرير انطباعاً بأنّ تركيا ليست لديها أي رغبة في تحريك ملف الانضمام. يريد الاتحاد الأوروبي من تركيا أن تتقدّم في مجالات سيادة القانون والحقوق الأساسية المهمّة في سياق المفاوضات، كما تريد تركيا إزالة الانسداد في كافة الفصول حتى تتقدم في هذا المجال. وإذا كان الجانبان يستطيعان التعاون في السياسة الخارجية فإنّ هذا من شأنه إنهاء حالة عدم الثقة المتبادلة وبعد ذلك يمكن أن نأمل بحدوث تعاون في مجالات أخرى.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!