د. علي حسين باكير - العرب القطرية

أعلنت السلطات اليونانية الأسبوع الماضي سقوط طائرة حربية من طراز «ميراج 2000» تابعة لسلاح الجو اليوناني، بالقرب من جزيرة «سكيروس» في بحر إيجة. وعزت العديد من وسائل الإعلام سقوط الطائرة اليونانية إلى عملية مطاردة كانت تقوم بها لمقاتلة تركية اخترقت الأجواء اليونانية على حدّ زعمهم. لم تؤكّد اليونان سبب سقوط مقاتلتها، فيما نفى الجانب التركي وجود أية مقاتلات تركية أثناء سقوط المقاتلة اليونانية.

تأتي هذه الحادثة على خلفية تصاعد التوتر بين تركيا واليونان بشكل متسارع خلال الأشهر القليلة الماضية. وتعتبر الخلافات الحدودية (البحرية وتالياً الجويّة)، بالإضافة الى الملف القبرصي سبباً رئيسياً من أسباب الصراع الدائم بين الدولتين اللتين تتمتعان بعضوية حلف شمال الأطلسي. وقد زيد على ذلك مؤخراً، ملف الغاز شرق البحر المتوسط، بالإضافة الى ملف الجنود الأتراك الذين أمّنت لهم أثينا اللجوء بعد مشاركتهم في المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا في عام ٢٠١٦، وقيام الأخيرة باحتجاز جنديين يونانيين مؤخراً، بعد أن تمّ توقيفهما داخل الأراضي التركية.

وفي هذا السياق، يسود الاعتقاد لدى عدد من المسؤولين الأتراك بأنّ تصاعد التوتّر بين البلدين مؤخراً هو نتيجة حسابات خاطئة لدى بعض السياسيين اليونانيين الذي يؤمنون بأنّ الظروف مناسبة للتصعيد مع أنقرة، في الوقت الذي تنشغل فيه تركيا عسكرياً على عدة جبهات داخل البلاد وخارجها، وأنّ هذا الوضع سيمنع الأخيرة من الرد على الاستفزازات اليونانية، أو على محاولات أثينا الحصول على مكاسب سياسية في الملفات الخلافية سابقة الذكر، متسلّحة بدعم الاتحاد الأوروبي لها.

لكن إلى أي مدى تستطيع اليونان أن تستدرج تركيا إلى معركة إضافية معها؟ في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، كان البلدان على شفير حرب نتيجة تصاعد الخلافات الحدودية. وبالرغم من أنّ المؤشرات الجغرافية والبشرية كانت تميل بقوة إلى صالح تركيا إلا أنّ وضعها السياسي والاقتصادي لم يكن جيّداً على الإطلاق، وهو ما كان يسمح لليونان بأن تتجرّأ على إعلان التحدي حتى وإن تطلّب ذلك تصعيداً عسكرياً بين البلدين.

يبدو المشهد اليوم مختلفاً، إذ مع تدهور الوضع الاقتصادي والسياسي لليونان خلال العقد الماضي، لم تعد قادرة على متابعة التنافس الثنائي، وقد انعكس ذلك بشكل سلبي على وضع قواتها المسلحة، الأمر الذي جعلها تميل أكثر فأكثر إلى الاعتماد على دعم الاتحاد الأوروبي، وفي وقت من الأوقات على روسيا أيضاً. لكن تحسّن علاقات أنقرة مع موسكو، بالإضافة إلى عدم رغبة الدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي في الاصطدام مع تركيا أدّى إلى التخفيف من أهمّية النزاع اليوناني، ولذلك تحاول الأخيرة على ما يبدو جرّ الاتحاد الى اشتباك مع تركيا في الوقت الذي تبحث فيه عن شركاء إقليميين يساهمون معها في هذه الأجندة كإسرائيل ومصر.

ويعتقد المسؤولون الأتراك بأنّه إذا كان هناك أحد ما يعتقد أنّه بالإمكان استغلال انشغال تركيا في سوريا والعراق لتحقيق مكاسب على الأرض في جبهات أخرى فهو واهم. من وجهة النظر التركية، فإن اليونان غير مؤهلة لمعركة عسكرية معها، لكن إذا ما أرادت أثينا ذلك، فإن تركيا مستعدة للرد بشكل قوي، ذلك أن القوات المسلحة التركية قادرة على خوض عدّة معارك في وقت واحد بكفاءة عالية، ولن تتخلى أبداً عن حقّها في المناطق التي تعتبرها تابعة لها في بحر إيجة، وهي رسالة أكّدها اجتماع مجلس الأمن القومي التركي بشكل غير مسبوق نهاية الشهر الماضي.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس