ترك برس

تبثُّ عدة قنوات تلفزيونية مرتبطة بالإخوان المسلمين من تركيا منذ الانقلاب العسكري في مصر سنة 2013، وتنتقد مجموعةُ القنوات هذه الأشخاص الذين رضوا بالعيش تحت حكم الرجل العسكري، عبد الفتاح السيسي، وذلك حسب تقرير لقناة "تي آر تي وورلد" التركية الناطقة بالإنكليزية تناول هذه القنوات.

في لقاءٍ له مع تي ري تي التركية، أثناء شربه الشاي في مقهى تركي في حي يني بوسنه بإسطنبول، رفض حمزة زوبع المتحدث السابق باسم حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، الإجابة عن تاريخ وصوله إلى تركيا قائلًا: "هل يهم؟ دعنا نتحدث عن السياسة ومصر".

يبلغ زوبع من العمر 58 عامًا، ووراء حسه الفكاهي، يخفي عالمًا من القلق. فهو يشعر بالقلق تجاه مستقبل مصر، ويشعر بالقلق من الجواسيس المنتشرين بكثرة في الوقت نفسه، إلا أنه رغم كل هذا يشعر أن شيئًا ثوريًّا سوف يحدث في مصر، حيث يقول: "الناس سوف تنفجر".

يستضيف زوبع اليوم برنامجًا في قناة مكمّلين، إحدى القنوات التلفزيونية الأكثر شعبية بين تلك التي تنتقد حكومة السيسي، وتعرض وجهات نظرٍ مؤيدة للمعارضة المصرية ومن بينها الإخوان المسلمون.

وبما أن السيسي قد حقق فوزًا ساحقًا في الانتخابات الأخيرة، والتي كانت من جانبٍ واحد بعد أن تم نفي المعارضة أو خنقها، يعتقد زوبع أن حكم السيسي لن يستمر طويلًا.

أعلن موسى مصطفى موسى، المنافس الوحيد للسيسي في الانتخابات، عن تأييده لولاية السيسي الثانية قبل بدء الانتخابات، وفي يناير/ كانون الثاني، أعلن سامي عنان القائد السابق للجيش، عن موقفه ضد السيسي، ليتم اعتقالُه بعد وقتٍ قصيرٍ من الإعلان ولا زال محتجزًا حتى الآن. كما انسحب مرشحٌ آخر وهو أحمد شفيق الجنرال الكبير السابق في الجيش، والذي كان أيضًا رئيسًا للوزراء، مع اقتراب موعد الانتخابات. وقد دعت المعارضة الموجود معظمها في المنفى إلى مقاطعة الانتخابات.

يقول زوبع: "إذا كان هناك جنرالٌ ضد آخر في بلدٍ ما، فلا بدّ أن هناك خطأً في ذلك البلد"، وأضاف: "ما يجري في مصر هو أمرٌ أبعد من الخيال، ولا يمكن لأي رجلٍ حكيمٍ أن يفكر فيه"، مشيرًا بذلك إلى خيبة الأمل والإحباط من الوضع الحالي.

تم سجنُ أكثر من 66 ألف شخصٍ في مصر بتهمٍ متعلقة بالإرهاب، وهناك ما لا يقل عن 55 ألف منهم مرتبطين بشكلٍ رسمي أو غير رسمي بالإخوان المسلمين.

وقد تم استدعاء كبار الصحفيين في البلاد لاتّباع إملاءاتٍ تُصوّر السيسي وسياساته في الأماكن العامة، كما قام النظام بحظر أكثر من 10 قنواتٍ تلفزيونية وعشرات المواقع الإخبارية منذ العام الماضي.

هذه الخطوات التي لم يسبق لها مثيلٌ في تاريخ مصر، جعلت قمع السيسي أسوأ من حسني مبارك أو حتى جمال عبد الناصر، الذين كانوا رؤساء سابقين لمصر، وذلك وفقًا لوليد الشيخ الصحفي المصري المقيم في برلين.

يقارن زوبع مصر اليوم مع دولٍ مثل رومانيا تحت حكم نيكولاي تشاوشيسكو، وصربيا تحت حكم سلوبودان ميلوسيفيتش، وليبيا تحت حكم معمر القذافي، ويقول: "في مصر، هناك الآن مليون نقطة تفتيش، ومع ذلك فإن الجيش غير قادر على إنهاء عمليته الأمنية في شبه جزيرة سيناء. في الوقت نفسه، لدينا ديونٌ بقيمة 88 مليار دولار. لقد أخفق النظام الحالي في كل من سياساته الاقتصادية والأمنية".

على الرغم من السياسات المالية القاسية التي يقودها السيسي والتي تهدف إلى تخفيف العقبات الاقتصادية، إلا أن الواقع على الأرض مختلفٌ تمامًا. فالمصريون يشكون من ارتفاع الأسعار والتضخم، وقد خسر الجنيه المصري نصف قيمته في ظل الإصلاحات الاقتصادية التي أجراها السيسي، مما أثر على الطبقة الوسطى في البلاد.

شغل معظم الجنرالات الموالين للسيسي مناصب وزراء، ويرى زوبع أنه من المدهش أن نائب وزير الصحة في البلاد يجب أن يكون جنرالًا في الجيش.

"التزم الطاعة أو غادر"

يذكر زوبع حالة الإعلام في مصر والذي يتغنّى معظمه بتمجيد السيسي، وقد روى قصةً حصلت في أحد البرامج التلفزيونية الموالية للنظام، قال الضيف للمذيع: "إننا نعاني"، ليرد عليه الأخير: "إذا كنت غير راضٍ هنا، فاخرج من هذا البلد".

بعد مجزرة رابعة في أغسطس/ آب سنة 2013، عندما قتلت قوات الأمن أكثر من 800 شخص، لم يتبق أمام المحتجين ضد الانقلاب والذين كان زوبع من ضمنهم، خيارٌ سوى مغادرة بلادهم.

يقول زوبع: "كنتُ في ساحة رابعة للاحتجاج على الانقلاب، لقد كانت خطتنا هي هزيمة الانقلاب العسكري بطريقةٍ سلمية، لكن النظام كانت لديه خططٌ أخرى".

غادر زوبع مصر وانتقل إلى قطر، حيث كان غالبًا ما يظهر على قناة الجزيرة التلفزيونية كمعلقٍ سياسي. وفي عام 2015، انتقل إلى تركيا ليستلم بعد فترةٍ وجيزة وظيفة مقدم تلفزيوني في قناة مكمّلين.

يتحدث زوبع عن رسالة برنامجه قائلًا: "نحن مع الثورة، ونحن بحاجةٍ لاستعادة ثورتنا. إننا ثاني أكثر القنوات التلفزيونية مشاهدة بحسب الإحصاءات، وقد حاول النظام منع بثنا في مصر لكنه لم ينجح في ذلك".

ويتابع موقع القناة الرسمي أكثر من مليوني شخص، وعلى ما يبدو فإن جمهورها مستمرٌّ في النمو. يقول زوبع: "يمكنني أن أريكم الرسائل التي أتلقّاها ليل نهار من الناس الذين يعيشون في مصر. رسائل تحمل في طيّاتها كل الإحباط وخيبات الأمل. إننا نتوقع حدوث شيءٍ هناك، فلا يمكن لهذا النظام البقاء على قيد الحياة طالما أنه مستمرٌّ في سلوكه ذاته".

السعي للأخوة

إسلام عقل، المدير السابق لتلفزيون وطن في مصر، هو صحفي مخضرمٌ آخر اضطر للعيش في المنفى بعد الانقلاب العسكري سنة 2013، وسيتم إطلاق برنامجه الحواري الجديد (وسط البلد)، على تلفزيون وطن الشهر المقبل.

في عام 2015، أطلق عقل وزملاؤه تلفزيون وطن في إسطنبول، حيث تم تمويل القناة من قبل رجال الأعمال المصريين الذين لديهم علاقاتٌ وثيقةٌ مع جماعة الإخوان المسلمين.

وبالإضافة إلى وطن ومكمّلين، هناك 13 قناة تلفزيونية عربية أخرى تبث من تركيا، وفقًا لعقل. وقد سجلت صحفة وطن على فيسبوك، عددًا كبيرًا من المتابعين وصلوا إلى 3.5 مليون شخص قبل أن يتم إغلاقها مؤخرًا في الأسبوع الأخير من شهر آذار/ مارس من العام الحالي 2018.

بعد يومين من حجب فيس بوك لصفحة تلفزيون وطن الرسمية، قامت القناة بفتح صفحة جديدة اجتذبت على الفور ما يقرب من 300 ألف متابع، كما أن لديهم 109 آلاف متابع على تويتر، و99 ألف متابع على يوتيوب.

تنمو القناة بسرعة كبيرة على جميع منصات وسائل الإعلام الاجتماعية، كما أن المسلسلات التركية التي تبث باللغة العربية على تلفزيون القناة ساعدت في جذب جمهورٍ أكبر لها. وبحسب عقل، فإن مسلسل قيامة أرطغرل قد مثّل قاعدة جذبٍ قوية لجمهور القناة.

تم ترحيل والد عقل من الإمارات سنة 1994 بسبب كونه عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين لتعود العائلة إلى بلدها الأصلي مصر. وبحلول عام 2004 تخرج عقل من كلية القانون في جامعة الأزهر في القاهرة.

وبدلًا من مزاولة مهنة في مجال القانون، أصبح عقل صحفيًّا. كان يعتقد أن مهنة الصحافة مغامرة، وفي هذه الأثناء أصبح والده عضو برلمانٍ سنة 2005، عندما كان موطىء قدم الإخوان في البرلمان المصري في ازدياد.

كان عقل في ساحة رابعة يغطي الاحتجاجات المناهضة للانقلاب، ليتم إطلاق النار عليه وإصابته على أيدي قوات الأمن، دخل عقل المشفى وطُلبت منه مغادرة البلاد.

بعد عقدين من الزمن، أجبره الوضع مرة أخرى على ترك بلاده، وبالتحديد بعد ستة أيام من مجزرة رابعة غادر مصر.

انتقل إلى بيروت حيث كان يعمل من أجل إطلاق محطة تلفزيونية جديدة، باسم أحرار 25. لم يمكنه البقاء طويلًا هناك حيث اعتقلت الشرطة اللبنانية أحد مساعديه، مسعد البربري، وقاموا بتسليمه إلى جيش السيسي، فحكمت عليه محكمة في مصر بالسجن المؤبد. انتقل عقل بعد فترة وجيزة إلى إسطنبول، وهو يرأس الآن تلفزيون وطن فيها.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!