حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

الشعب التركي يصب تركيزه في الوقت الحالي على الانتخابات الرئاسية المبكّرة فقط، لكن قبل شهرين كانت الأحداث المتداولة مختلفة عن الآن تماماً، ويعتبر البعض أن الانتقال من مسألة إلى أخرى بشكل جذري هو أمر طبيعي للغاية، لكن عند مقارناتها بالعديد من دول العالم نجد أن تركيا تمر بفترة تغيير هامة جداً، ويبدو أن ذلك هو السبب في كثافة جدول الأعمال الحالي لتركيا، إذ سيتم إعادة تأسيس الدولة التركية من جديد، بالتالي فإن طبيعة المجتمع التركي ستشهد تغيّراً واضحاً أيضاً.

سيُظهر هذا التغيير تأثيراً واضحاً على الصعيد الاقتصادي أيضاً، وكما نقول عادةً: إن هذه التغييرات ليست مستقلة عن السياسية الخارجية والأمن القومي للبلاد.

ربما لو كانت لدينا فرصة الاختيار لاخترنا مواجهة جميع هذه المشاكل، على سبيل المثال نختار مواجهة المشاكل الاقتصادية بدايةً، ثم نتصدّى للمخاطر التي تهدد الأمن القومي للبلاد، لكن مع الأسف الواقع لا يسمح لنا بذلك، إنما نضطر لمواجهة جميع هذه المشاكل معاً في وقت واحد، أي إننا سنذهب للانتخابات الرئاسية من جهة، ونواجه التحدّيات الخارجية من جهة أخرى، إضافةً إلى مكافحة الإرهاب إلى جانب تأسيس النظام الرئاسي الجديد، وكذلك تأسيس العلاقات التركية-الأمريكية من جديد بما يناسب التطورات والظروف الأخيرة، والوضع الحالي لتركيا لا يسمح لها بالتغاضي عن أي من هذه المسائل، وذلك يشير إلى أن التحدّث حول الانتخابات الرئاسية يعوّض عن التحدّث حول جميع هذه المسائل معاً.

إن الانتخابات الديمقراطية هي فترة هامة يتم خلالها اتخاذ قرارات مصيرية حول المشاكل التي تواجهها البلاد، وبالتالي نحن لا ننتخب القائد الجديد فقط، إنما نختار السياسة الخارجية الجديدة أيضاً، إما أن نختار استمرار مرحلة التغيير في وجهتها الحالية، أو نختار تغيير وجهتها نحو مجالات وأساليب مختلفة.

شهدت تركيا خلال الـ 15 سنة الأخيرة على مبادرات عديدة في جميع المجالات منها الاقتصادية والاجتماعية والسياسة الخارجية إلى أن وصلت لمرحلة الاستقرار السياسي، وكذلك تمكّنت من اكتساب قوة كبيرة على الحدود السورية والعراقية ضد التنظيمات الإرهابية، كما توضّحت علامات الوصول إلى الاستقلال التام في مجال السياسة الخارجية، أي أن تركيا أوشكت على التحوّل إلى قوة عالمية عظمى.

إن القوى العظمى هي الدول التي تحقق اكتفاءها الذاتي، وتستطيع الوصول إلى أهدافها وحماية مصالحها الشخصية من خلال الاعتماد على قوتها الذاتية، وفي هذا السياق عند النظر إلى مصانع الدفاع الجوي المُنشأة حديثاً والتوازن الذي تحاول الحكومة التركية تأسيسه في مجال السياسة العالمية يمكننا رؤية سعي تركيا للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي بشكل أوضح، ولهذا السبب فإن الحلفاء التقليديين للحكومة التركية يمارسون الضغوطات تجاه تركيا الآن، ويبذلون طاقتهم للوقوف في وجه تقدّم تركيا ووصولها إلى الاستقلال السياسي التام، وبالتالي يحاولون الحد من إمكانات الدولة التركية لإبقائها كوسيط من أجل ضمان أمنهم القومي، وتركيا ترفض هذا الواقع وتحديد مصيرها من قبل القوى الأخرى.

ويمكن القول إن السبيل الأهم للاستمرار في هذا الصراع هو الحفاظ على الاستقرار السياسي الحالي، لأن تركيا لن تستطيع أن تصبح قوة عظمى دون تحقيق الاستقرار السياسي، وأنا أعتقد أن الناخبين الأتراك يستطيعون رؤية هذا الواقع بكل وضوح، عند النظر إلى رغبة الشعب التركي الكبيرة في التصويت خلال الانتخابات يمكننا إدراك اهتماهم في مسألة المساهمة في تقدّم الدولة التركية، ولذلك أعتقد أن أصوات الناخبين تأتي بناء على إدراكهم لطبيعة الانتخابات المقبلة، ويمكن تفسير تشابه نتائج الانتخابات المسبقة على الرغم من اختلاف الظروف بهذه المبرّرات، و بالتالي سنرى تأثير السعي التركي للتحوّل إلى قوة عظمى خلال انتخابات 24 حزيران/يونيو القادم.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس