أحمد طلب الناصر- خاص ترك برس

الدكتور "جمال أبو الورد"، عالم رياضيات سوري الأصل، ونائب وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الحكومة السورية المؤقتة، والحاصل على العديد من الشهادات العلمية وشهادات التكريم من معظم دول العالم، وتم تكريمه من قبل الرئاسة التركية بمنحه جنسية البلاد منذ ما يقارب 3 سنوات.

أثار منشوره على صفحته الخاصة، الذي تناول انسحابه عن الترشح للانتخابات النيابية التركية، المزمع إجراؤها في حزيران/ يونيو المقبل، العديد من التساؤلات وردود الأفعال، سورياً وتركياً ودولياً، فأجرينا معه هذا اللقاء الذي تناول، بالإضافة إلى المنشور المذكور، العديد من القضايا السياسية والفكرية والعلمية على الساحتين التركية والسورية:

انطلاقاً من الحدث الأخير الذي حمل آخر خبر صدر عن صفحتكم الخاصة على (الفيسبوك)، المتعلّق بعزوفكم عن الترشح للانتخابات النيابية التركية المقبلة، والذي ضجّت به وسائل الإعلام التركية والعربية والعالمية: كان الشارع السوري في تركيا ينتظر خبر ترشّحكم للانتخابات النيابية القادمة، فهل أعلنتم عن نيتكم الترشح في إحدى المناسبات فيما مضى؟ وهل توجد أسباب أخرى، غير التي ذكرتموها في منشوركم، تتعلق بالانسحاب من خوض غمار الانتخابات؟

"بالنسبة للزخم الإعلامي الكبير حول إعلان عدم ترشحي للانتخابات البرلمانية التركية والذي ضجت فيه مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التركية والعربية والدولية، يرجع لعدة أسباب منها كوني عالم رياضيات سوري- تركي، ومتابَع بشكل دائم من قبل الإعلام، وأحظى بقبول شعبي نسبي تقديراً لإنجازاتي العلمية ومواقفي السياسية، والتي تعبر صراحةً عن رأي شريحة واسعة من المجتمع الذي أنتمي إليه، لأنني أعتبر نفسي من رجال العلم الذين يحملون مشروع أمة، ومن المدافعين عن ثوابت ثورتنا وكل ما من شأنه النهوض بمسيرة الإنسان الحضارية. ففي كل المحافل الدولية والعلمية أدعو إلى بناء الإنسان المؤمن بقضايا أمته بناءً علميًا وفكريًا بعيدًا عن كل الشوائب والإرهاصات التي تعيق تقدم المجتمع وتجعل منه مرتعًا  للجهل والتخلف ويبني مستقبله على أسس التبعية للمجتمعات الأخرى. ومن هنا أدعو لبناء الدولة القوية من خلال بناء الإنسان القوي في ظل التراكم المعرفي والتسارع الكمي للمجتمعات الحضارية، ومجمل الأفكار التي أحملها وجدت صدى لدى الكثيرين، ومنذ انتسابي لحزب "العدالة والتنمية" الذي انتميت إليه عن قناعة تامة بعد اطلاعي على أفكاره ومنهجه ونظامه الداخلي، فأيقنت أن ذلك الحزب يحمل مشروع أمة متكامل، ونهض بتركيا إلى مصاف الدول المتقدمة خلال فترة قياسية، وغالبية السوريين بدؤوا بالتواصل معي على امتداد الأراضي التركية، ومن الداخل السوري أيضاً، وكل منهم يشكو لي همه، فأحاول جاهداً مساعدته قدر استطاعتي. كما كوّنت علاقات جديرة بالاحترام مع كبار الشخصيات التركية الاعتبارية، وكنت، حسب تعبيرهم، ممثلاً للجانب المشرق والحقيقي للسوريين أمام الشارعين الرسمي والشعبي التركيين، وأحاول على الدوام تسليط الضوء على هذا الجانب المشرق مما جعلني أبني جسرًا من الثقة لدى الجانب التركي والذي كان لي الشرف الكبير بالانتماء إليه عبر حصولي على الجنسية التركية منذ أكثر من ثلاث سنوات وبتكريم من الرئيس "رجب طيب أردوغان" حفظه الله. كل هذا جعل الإخوة الأتراك يجدون في شخصيتي العلمية والعملية نموذجاً للإنسان السوري الناجح والحائز على درجة كبيرة من المصداقية، ومن هنا انطلقت فكرة أن أكون ممثلاً عن أكثر من 3,5 مليون سوري ممن يقيمون على أراضي الجمهورية التركية. وتسارعت الأحداث ونمت معها علاقاتي بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة هنا في تركيا، وبدأت وسائل الإعلام تتحدث عني، إلى أن أصبحت بنظرهم مطلبًا شعبيًا يحظى بنسبة مقبولة نسبياً كي أكون ممثلاً ومعبرًا عن صوت أبناء وطني، فأعلنت منذ سنتين تقريباً خلال حوار أجرته معي جريدة "القدس العربي" عن نيتي خوض تجربة الانتخابات البرلمانية التركية المزمع إجراؤها في عام 2019، كما كان مقرراً في السابق، مما جعل الكثيرين يترقبون تقديم أوراق ترشحي لهذه الانتخابات".

"وبالنسبة لأسباب عزوفي عن الترشح للانتخابات البرلمانية المبكرة، هي ذاتها التي ذكرتها في صفحتي عبر "الفيس بوك" والتي تتجلى بحساسية الانتخابات المبكرة في الشارع السياسي التركي ووجدت أنه من الأفضل تجنب إقحام السوريين في هذه المعركة الانتخابية والديمقراطية لأن هدفنا الأول والأخير هو العمل على كل ما من شأنه مساعدة أهلنا هنا، وأن نكون حريصين على استقرار وأمن الدولة التركية لأنها صمام الأمان والعمق الاستراتيجي لنا، ونحن كسوريين نتمنى كل الخير للشعب التركي وأن تعود سورية دولة قوية مستقرة ولها وزنها في المنطقة".

كيف تنظرون للانتخابات الرئاسية المقبلة وانعكاساتها على الشارعين السوري والتركي في تركيا وخارجها؟

"الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة ستلقي بظلالها على المنطقة ككل، ولسنوات طويلة قادمة، حيث سيكون لها ارتدادات عالمية على جميع الأصعدة، ونلاحظ ذلك من خلال الاهتمام العالمي بنتائج هذه الانتخابات، وخاصة في الجانب المتعلّق باتفاقية (لوزان) وغيرها من الاتفاقات التي يرى البعض أن نتيجة الانتخابات الرئاسية ستلقي بظلالها على بنود الاتفاقية وإعادة النظر فيها مستقبلاً، بالإضافة إلى العديد من القضايا السياسية والدولية الأخرى. ولعل انعكاسات نتائج الانتخابات الأولى سوف تكون على الشعب السوري بالدرجة الأولى، لأننا بدأنا نسمع تصريحات، وبشكل علني، تتوعد بطرد السوريين وترحيلهم، متجاهلين كل القيم الإنسانية والمعايير الدولية، متناسية أن السوريين لم يأتوا للسياحة أو الاستجمام وإنما فروا من أتون حرب ومجازر إبادة مورست بحقهم، وبتهجير ممنهج لمكون أساسي وكبير من مكونات الدولة السورية أمام صمت العالم ونفاقه. وبالمقابل هناك من جعلوا من أنفسهم (الأنصار) وأسمانا (المهاجرين) فكانوا لنا خير مضيف وشريك، ولم يشعر السوريون إلا أنهم بين أخوتهم، في حين أن أقرب الأشقاء لنا تخلوا عنا".

"ومن هنا، وكمواطن وعالم سوري- تركي، فإني أدعم ترشيح الرئيس رجب طيب أردوغان كونه الرئيس الذي يحمل هم أمتنا ويدافع عنها ويعبر عن ضمير كل الأحرار والشرفاء في هذا العالم، والمدافع عن القدس الشريف، وعن مسلمي الروهنغيا، وعن شعبنا السوري، وأرى فيه القائد المسلم الذي سيعيد للأمة ألقها وتاريخها وانتصاراتها"

لنبتعد قليلاً عن السياسة، وحبذا لو تحدثنا عن تجربتكم الأخيرة ونشاطكم ضمن تشكيلة الحكومة السورية المؤقتة داخل المناطق السورية المحررة.

"عن عملي كمعاون وزير للتعليم العالي والبحث العلمي في الحكومة السورية المؤقتة، نحن نكرس كل جهودنا من أجل العمل على مساعدة أبناء شعبنا ضمن الإمكانات المتاحة، والحكومة لا تزال تعمل عبر وزاراتها في الداخل السوري وقدمت العديد من الشهداء، وأهم ما يميز هذه الحكومة برئاسة الدكتور "جواد أبو حطب" أنها ميدانية وعلى تواصل مع كل مكونات الشعب السوري من الجنوب وحتى الشمال السوري، وتسعى جاهدة لتأمين متطلبات أبناء شعبنا في المناطق المحررة. وفيما يخص التعليم العالي، نحاول جاهدين العمل على تأمين الاعتراف بجامعة "حلب" من خلال التواصل مع إدارة مجلس التعليم العالي التركي الـ (يوك)، وأجرينا العديد من الاتصالات مع بعض الجامعات من أجل الحصول على اعتماد كلياتنا ومعاهدنا من قبل جامعات معترف بها عالميًا، بالإضافة للسعي إلى توقيع اتفاقيات توأمة، وفي الفترة الماضية توصلنا إلى مذكرة تفاهم مع جامعة أمريكية وعقدنا اتفاقية مع أكاديمية إسطنبول للعلاقات الدولية بحضور وزير التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة، والامتحانات الأخيرة كانت تسير بشكل جيد على الرغم من كل الظروف الأمنية والعوائق التي نعرفها جميعاً، لتوافر الإرادة القوية والإخلاص لدى رئاسة الجامعة والكادر التدريسي والحرص الشديد على مستقبل طلابنا".

أعلنتم منذ أيام، من خلال منشور أيضًا، تخليكم عن رئاسة وعضوية العديد من التجمعات والأنشطة الثقافية والعلمية، ما هي دوافعكم لاتخاذ هذه الخطوة؟

"استقلت من المهام السياسية، كأمين عام تجمع العدالة السوري، ونائب رئيس الهيئة السياسية ورئيس مجلس إدارة المنصة، والمهام الثقافية والعلمية كرئاسة فرع بورصة لاتحاد الكتاب السوريين والعديد من العضويات. كل ذلك كان بسبب تفرغي لأمور العلم والبحث العلمي ونحن قريبًا بصدد افتتاح أكاديمية للرياضيات والعلوم في ولاية بورصة، وإن شاء الله تعالى ستكون منارة لصناعة العلماء الصغار وتقوية الطلاب في الرياضيات، وتهيئتهم في التعليم ما قبل الجامعي لدخول الجامعات عبر إقامة دورات في yõs و الـ sat، وافتتاح مكاتب للإرشاد الجامعي، وقد أسميناها أكاديمية "نون" (ن) للرياضيات والعلوم، لما لهذا الاسم من دلالات علمية ودينية".

"وختاماً، أتوجه عبر "ترك برس" لأبناء أمتنا بالقول: لن يستقيم أمر الأمة إلا بالرجوع إلى الله، ولا خلاص لنا إلا بالعلم، والشباب هم أمل الأمة وأساس نهضتها لذلك يجب علينا أن نولي الأهمية لبناء هذا الجيل وصولاً إلى مجتمعنا القوي والمحصن فكريًا وعلميًا وعقائديًا، وأن نخلص جميعاً من أجل الأم سورية لأنه لن يبني سورية إلا أبناء سورية، كما أتوجه للشعب التركي الشقيق، ولي الفخر أنني أصبحت من أبناء تركيا الحبيبة التي تعيش في قلب كل مسلم حر وكل من يعرف معنى الإنسانية، بالشكر العميق لما قدمته للشعب السوري ولكل المظلومين والمضطهدين في العالم وأتمنى لهذا البلد دوام التقدم والاستقرار لأن استقرار تركيا وتقدمها هو استقرار وتقدم للأمة جمعاء".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!