ابراهيم كارا غُل – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

تعاطف العالم أجمع مع فرنسا بعد الهجوم الدامي في باريس. حيث شارك مئات الآلاف في المسيرة لإدانة الهجوم، من بينهم رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، وقادة العديد من الدول.

عقِب المسيرة عدد لا يحصى، من المقالات والتحليلات والتعليقات والبرامج التلفونية، من الطبيعي هذا الاهتمام الإعلامي. 

 فالهجوم الذي حصل أمام أعين العالم في وضح النهار، يظهر وجود ثغرات في الأمن العالمي، وذلك ما شدد عليه المشاركين في المسيرة. لذلك يستحيل التشكيك بمسيرة التضامن ضد الإرهاب.

لكن هناك نقطة يجب الوقوف عندها، بعد هجمات 11سبتمبر، ازداد التشديد الأمني في الولايات المتحدة الأمريكية و دول الاتحاد الأوربي بشكل كبير. من إصدار للكثير من القوانين الصارمة، وإنشاء للوحدات الخاصة، إضافة للقيام بالكثير من الحملات الأمنية.

فالموقف المشترك للزعماء الأوربيين في المسيرة من مكافحة الإرهاب، متناقض مع ممارساتهم الإرهابية، حيث لا يخفى على أحد، طبيعة عمل الاستخبارات الأوربية، واستخدامها للوسائل الغير المشروعة بصراع القوى في الشرق الأوسط، ودعمها للعديد من التنظيمات في المنطقة لاستخدامها ضدها حكوماتها.

أفكار نتنياهو ومردوخ..

الباحث في أحداث التاريخ القريب، ودون التطرق للمجازر البشرية، يرى كيف حولت هذه الدول الإرهاب لورقة تعتمد عليها في سياساتها الخارجية، وكيف أخضعوا الدول والشعوب بالإرهاب، وكيف دمروا بممارساتهم تلك، البلدان المجاورة بنا، وقتلوا مئات آلاف الأشخاص فيها، بهدف تقسيمها، في السنوات العشرين الماضية. ودعمهم للخلايا الإرهابية في تركيا، ومحاولتهم إذلالها من خلالها.

فالتضارب في الصورة التي جمعت محمود عباس و نتنياهو، لا يقل عن التضارب الذي حصل جراء مشاركة زعماء أوربا في مسيرة مناهضة للإرهاب. وأكثرهم يشارك رأي عرّاب الإعلام روبرت مردوخ، الذي تربطه صلات وثيقة مع اليمين المتطرف الإسرائيلي، حين قال "جميع المسلمون مسؤولون عن الهجوم".

من سيعلن الحرب على الإسلام!!

يعاني المسلمون في أوربا الكثير من التضييق وعدم التقبل، وأُقيمت العديد من العمليات ضدهم بغية طردهم، إضافة لإنشاء بعض الجماعات اليمينية المتطرفة، ودعمها لتنظيمات ذات فكر إرهابي تدّعي الإسلام.

على الغرب محاسبة ذاته، فهو يدعم التنظيمات الإرهابية، ثم يبكي على ضحايا الهجوم بآن واحد.

ففي الوقت الذي يعلنون فيه القرن الواحد والعشرين بأنه قرن الحرب على الإسلام، وينشرون الفوضى في البلدان المسلمة، ويقتلون مئات آلاف المسلمين، ويحتقرون مقدساتهم، وينظرون لهم نظرة طائفة دونية، لابد و أنهم يعلمون إلى أين ستؤدي هذه التصرفات.

يجب على الغرب أن يعلم بأنه لن يكون هناك دولة آمنة بعد الآن. سيأتي يوم وسيضرب فيه الإرهاب الغرب بأكمله كما حدث في باريس، وأنا متأكد بأننا سرعان ما سنشهد حروب على بعض الدول كعواقب لتلك الضربات.

أياً كانت التدابير الأمنية التي ستتخذونها، ستشهدون هجمات مشابهة، وستزداد حملتكم على الأديان والعقائد شراسة، وستقتلون المزيد من الناس.

ينبغي على الغرب إنهاء العلاقات المضطربة مع المسلمين بأسرع وقت، والتخلي عن تصرفاتها العدوانية والاستعمارية. لكنهم للأسف يسلكون الاتجاه المعاكس. وهذا الصراع سيولد نتائج كارثية في القرن الحادي والعشرين.

على تركيا أن تكون متيقظة..

هل تشهد تركيا أحداث مشابهة قبل الانتخابات؟

إن احداث دولمة باهجة و السلطان أحمد، جلبت معها هذه الشكوك، ربما يسعى أحدهم لنشر الفوضى في الشارع التركي، لا يهم أي تنظيم سيقوم بذلك. وتزداد الشكوك خلال الأسابيع المقبلة، بأن موضوع الأمن في العالم سيتبوأ الصدارة، مع ازدياد الاضطرابات في أوربا، ومناطقنا التي تعيش ظروفاً استثنائية بالأصل.

يبدو أن "هولاند" أزعج أحدهم عندما قال "كان علينا إسقاط بشار الأسد". هذه الأوساط المنزعجة يمكن أن تكون أوربية أيضاً، من أصدقاءه و حلفائه. لنتذكر الهجمات الإرهابية التي تمت قبل غزو العراق، ومواقف الدول من تلك الهجمات. وكذلك، إن المراسم عالية المستوى في استقبال محمود عباس، يبدو أنها أزعجت البعض. يجب قراءة الأحداث بشكل جيد.

موقف تركيا من الحرب في سوريا مزعج للكثيرين أيضاً . ففي الوقت الذي يتم فيه بحث سبل التطبيع في سوريا، يحاول أولئك لتطويق تركيا من الجنوب، من خلال إنشاء منطقة معادية لتركيا على خط "عفرين- كوباني- القامشلي"، لقطع علاقات تركيا مع المنطقة الجنوبية.

هذا المخطط ليس مخطط "صالح مسلم" فقط، حيث كانت أحداث كوباني تهدف لنشر الفوضى داخل تركيا، بتخطيط وإدارة خارجية.

مخطط التطويق هذا كافي لجعل تركيا هدفاً للإرهاب من جديد، فمشروع "دولة سوريا الشمالية" يستهدف تركيا بالدرجة الأولى. والدول التي تقف خلف ذلك المخطط، هي نفسها الدول التي تدعم الإرهاب. وأنا على يقين بأن بعض تلك الدول كانت حاضرة في مسيرة باريس.

 

لن يعتذر المسلمون..

إن من يدعو المسلمين للاعتذار، عليه أن يعتذر أولاً لقتله مئات آلاف المسلمين، في العشرين عاماً الأخيرة فقط، ففي القرن العشرين، دمر هؤلاء مناطق كثيرة من العالم بسبب سياساتهم الاستعمارية العدوانية، ويحاولون الاستمرار بذلك في القرن الحادي والعشرين،

لم يعد تواجد هؤلاء في مناطقنا أمراً مرحب به، حيث أنهم بأيدهم الملطخة بالدماء، شركاء اليمين المتطرف الإسرائيلي والمحافظين الجدد، الذين جلبوا الدمار لبلدان بأكملها في سبيل برميل نفط واحد، ستزداد عدائيتهم الآن بالتعاون مع العنصريين في أوربا.

 كان الإرهاب جيداً بنظرهم عندما صدروه للخارج، لكن عندما ألتف عليهم و ضربهم من الداخل، أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، تذكروا بأن الدول المسلمة هي أكثر من عانى بسبب الإرهاب.

كونوا صادقين وواقعيين و دعونا نقوم بمسيرات مشابهة لإدانة الإرهاب في تلك الدول أيضاً.

لكن هذا الشيء لن يحدث، لأن أوربا تسير في الاتجاه المعاكس تماماً.

عن الكاتب

إبراهيم قاراغول

كاتب تركي - رئيس تحرير صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس