جمال الهواري - خاص ترك برس

لم يكن يومًا كغيره من الأيام، فالأيام الحاسمة والفاصلة في تاريخ الأمم ليست كغيرها، وهكذا كان يوم التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في تركيا والتي جرت يوم الأحد الماضي 24 يونيو/حزيران الجاري.

توافد الأتراك من مختلف طوائف الشعب على مراكز الاقتراع منذ الصباح الباكر للإدلاء بأصواتهم لاختيار الرئيس وأعضاء البرلمان ليتم تفعيل التعديلات الدستورية لتنتقل تركيا من النظام البرلماني إلى الرئاسي أو لنقل ليتم الإعلان عن تأسيس الجمهورية التركية الثانية واستمرار مسيرة التقدم والتنمية التي وضع أسسها الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية منذ 16عاما وسط ترقب ومتابعة الجميع ليس في تركيا وحدها بل في أرجاء العالم أجمع شرقه وغربه.

نعم اختيار الرئيس وأعضاء البرلمان قام به الأتراك وحدهم عبر صناديق الاقتراع، لكن هناك آخرون بعشرات الملايين كانوا يختارون ويصوتون معهم بأصوات القلوب ودعاء المستضعفين الذي انطلقت به الحناجر والأفئدة في كافة أرجاء العالم الإسلامي.

كتبت مقالاً منذ أيام قليلة مضت تمنيت فيه أن يرد الشعب التركي الصفعة للمتربصين به الناقمين على تقدم تركيا ووقوفها بجانب المظلومين والضعفاء ومد يد العون لهم قدر المستطاع في ظل عالم متوحش لا يقيم للضعفاء وزناً ولا للمظلومين قدراً ويصم آذانه عن أوجاعهم ومآسيهم، لكن إحقاقًا للحق لم أتوقع أن تكون الصفعة مزلزلة بتلك القوة والتي من فرط شدتها أصابت الكثير من الأنظمة الغربية وتوابعها في الشرق الأوسط بحالة من الجنون والهذيان لرؤيتهم تلك النسبة القياسية من التصويت، والتي تجاوزت 88% وهي النسبة التي تفوقت على كل نسب التصويت حتى في أكبر وأعتى الأنظمة الديمقراطية حول العالم، وهو أمر له دلالته فحين شعر الشعب التركي بالمؤامرات التي تحاك ضد دولته خرج عن بكرة أبيه ليعبر عن رأيه معلناً للعالم أجمع أنه يمتلك استقلالية قراره وله مطلق الحرية في اختيار حكامه، تلك الصفعة التي أكملت الرسالة التي أرسلتها للعالم جموع الشعب التركي حين خرجت للتصدي للمحاولة الانقلابية الفاشلة ليلة 15 يوليو/تموز 2016 معلنةً انتهاء زمن الانقلابات العسكرية وذهابها دون رجعة.

ما إن ظهرت النتائج الأولية معلنةً تقدم الرئيس أردوغان وفوزه بمنصب الرئيس من الجولة الأولى وحصد تحالف الشعب المؤيد له على غالبية مقاعد البرلمان، حتى علا صراخ هؤلاء المتربصين معلنين عن كراهيتهم ومكنون ضمائرهم بلا خجل أو مواربة تساوى في هذا الغرب الذي راعه أن يرى بلدًا مسلمًا يقدم درسًا في الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها بطريقة حضارية وعصرية تجعل أعتى الأنظمة الديمقراطية حول العالم حكامًا ومحكومين، نخب وأفراد يجلسون تلاميذ في حضرة المعلم التركي ليتيقنوا أن الديمقراطية ليست حكرًا على الغرب وحده، وآخرون في بلاد لم تعرف الديمقراطية لها سبيلا لكنهم سائرون في ركب الغرب مؤتمرون بأمره، أثار حنقهم تمسك الأتراك بديمقراطيتهم ودفاعهم عنها بشتى الطرق والوسائل وأفزعهم تعلق قلوب شعوبهم بالنموذج التركي وأرعبهم تطلع مواطني دولهم بلهفة وشوق وأمل من أن تتقدم بلادهم وتنال حريتها وسيادة واستقلالية قرارها وتحذو حذو تركيا وتتشبه بها في إصرارها شعبًا وحكومة على استمرارية مسيرة التقدم والتنمية في شتى المجالات، فانطلقت الوسائل الإعلامية التابعة لهم في سيل متواصل من الهجوم على الرئيس أردوغان وحزبه مشككين في نتيجة الانتخابات زاعمين أنه قد جرى تزويرها لصالح الرئيس أردوغان رغم شهادة كل المراقبين الدوليين الذين توافدوا على تركيا لمراقبة سير العملية الانتخابية والقوى والأحزاب السياسية والمرشحين المتنافسين فيها بنزاهتها وشفافيتها وإقرارهم بنتائجها وفي مقدمتهم منافسو الرئيس أردوغان وحزبه.

وما إن اكتملت الصورة وتأكد فوز الرئيس أردوغان بمنصب الرئاسة وتحالف الشعب بالأغلبية البرلمانية حتى ارتفعت الأكف بالدعاء والسجود لله شكرًا من ملايين اللاجئين من شتى البلدان الإسلامية الذين تستضيفهم تركيا وتحتضنهم حين تخلى عنهم العالم أجمع وأصم آذانه وأغلق أبوابه في وجوههم وإن فتحها فرض عليهم القيود محاولاً سلخهم من هويتهم وجذورهم ليذوبوا في محيطهم الجديد الذي فرض عليهم فرضًا دون اختيار منهم، واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالتهاني والتبريكات وبمختلف اللغات للشعوب العربية والمسلمة يهنئون بعضهم البعض بفوز الرئيس أردوغان واستمراره وحزبه في قيادة تركيا المنتمية والمهتمة والمدافعة عن محيطها العربي الإسلامي لخمس سنوات قادمة، ويرون في انتصار الرئيس وحزبه انتصارًا لهم، فرحين بفشل المؤامرات التي كانت تحاك من أطراف عدة "غربية وعربية" جيشت الجيوش وأنفقت المليارات من الدولارات محاولين التأثير على قرار الشعب التركي وتوجهاته وأزعجها تمدد الحب والتقدير لتركيا وشعبها ورئيسها في قلوب الشعوب العربية والإسلامية، وأقض مضاجعها مواقف تركيا الصلبة والثابتة المدافعة عن محيطها العربي الإسلامي وتنامي تأثيرها الإيجابي والإنساني خارج الحدود.

ختاماً

لم أجد أبلغ من مقولة أحد المحللين الصهاينة قدم نفسه على أنه خبير بالشأن التركي تعليقاً على روعة التجربة التركية، مذهولاً من تعامل كافة طوائف الشعب التركي وقواه السياسية المختلفة مع الانتخابات حين قال: فاز أردوغان ليس فقط برئاسة تركيا بل بزعامة العالم الإسلامي، لقد تجدد على يديه أمل الشعوب الإسلامية في وجود دولة مسلمة قوية تدافع عنهم وتحتضنهم، ونموذج ملهم لتلك الشعوب لمحاولة استنساخ التجربة التركية في بلدانهم، وأردف قائلاً في نبرة يفوح منها الحقد والألم في آن واحد: فوز أردوغان وكثافة المصوتين في الانتخابات هو المسمار الأخير في نعش حقبة الانقلابات العسكرية، لقد اختار الشعب التركي أردوغان وحزبه لقيادة البلاد لخمس سنوات قادمة وهذا أمر واقع وبحجم مرارته لا بد أن نعد أنفسنا للتعامل مع هذا الخصم العنيد والمدافع الشرس عن الفلسطينيين وحقوقهم.

عن الكاتب

جمال الهواري

صحفي و ناشط سياسي مصري، عضو منظمة العفو الدولية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس