د. علي حسين باكير - القبس الالكتروني

عد أدائه اليمين الدستورية وتنصيبه كأول رئيس للجهورية التركية الثانية يوم الإثنين، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بتسمية ١٦ وزيراً في إدارته الجديدة التي ستعمل في ظل نظام رئاسي مكتمل الأركان. وبموجب هذا النظام، فإن تعيين هؤلاء الوزراء لا يخضع لموافقة برلمانية، وفضلاً عن ذلك، فإنّهم سيكونون مسؤولين مباشرة أمام الرئيس، وليس كما كان عليه الامر سابقا. مع استحواذ رئيس الجمهورية على الصلاحيات التنفيذية لمجلس الوزراء، يصبح دور هؤلاء الوزراء تقنياً أكثر من كونه سياسياً، وبهذا المعنى، فإنّ مهمّتهم الأساسية البحث عن الوسائل الأنجع لتنفيذ ما يطلبه الرئيس.
عادة ما تشكّل التغييرات الحكومية فرصة لصانعي السياسة لإحداث التحوّل المطلوب في سياساتهم من دون ان يظهر ذلك على انّه تراجع أو انّه يتم من موقف ضعيف. وبالرغم من انّ تسمية أعضاء الحكومة كان بمنزلة فرصة لإرسال المزيد من الرسائل الايجابية لداخل تركيا وخارجها، الا انّ التعيينات التي طُرحت حملت معها رسائل متضاربة.

كان لافتاً في التعيينات الجديدة بقاء كل من وزير الخارجية مولود تشاويش اوغلو في منصبه، وكذلك وزير الداخلية سليمان صويلو، ووزير العدل عبدالحميد غول. هذا يعني المتابعة بنفس السياسيات التي كانت قائمة الى حد بعيد فيما يتعلق بالخارجية والداخلية والعدل وتجديد ثقة الرئيس بهذه الشخصيات لتنفيذ رؤيته المستقبلية. وزير الخارجية يحتفظ بمنصبه منذ عام ٢٠١٤، وكان قد لعب دوراً مهماً في الازمة الخليجية الأخيرة، وكذلك الامر فيما يتعلق بالدفاع عن القدس. امّا وزير الداخلية، فيعود له الفضل في تأمين الداخل التركي خلال العامين الماضيين وتنفيذ أجندة صارمة ضد حزب العمّال الكردستاني. وفيما يتعلق بوزير العدل، فقد أشرف العام الماضي على عملية تطهير المؤسسات التركية بعيد المحاولة الانقلابية الفاشلة.

من أبرز القرارات التي تم اتخاذها في ذلك اليوم، قرار تعيين رئيس هيئة الأركان خلوصي أكار وزيراً للدفاع. أكار هو ثاني رئيس لهيئة الأركان يدخل عالم السياسية كوزير، وفي عهد أكار، عرفت تركيا توسعاً غير مسبوق في استخدام القوّة الصلبة في أجندة السياسة الخارجية للبلاد. ونتيجة لذلك، توسعت مهام القوات المسلّحة خارج حدود تركيا لتأمين الامن القومي للبلاد، كما تسارعت في عهده استراتيجية الانتشار العسكري الثابت في قواعد عسكرية خاصة بتركيا في منطقة تغطي بلاد الشام، والخليج العربي، والبحر الأحمر. وفي تسميته وزيراً للدفاع، يجدد الرئيس ثقته في أكار في إبقاء المؤسسة العسكرية بعيدة عن السياسية واستكمال المسار الذي نفذه كرئيس لهيئة الأركان.

أمّا التعيين الأكثر جدلاً في قائمة الرئيس، فكان وضع صهره براءة البيرق في منصب وزير المالية والخزانة. خلال زيارته الى لندن قبل حوالي شهرين، قال الرئيس التركي بأنه يخطط لفرض سيطرة أكبر على الاقتصاد وانّه سيتعيّن على البنك المركزي أن ينتبه لما يقوله الرئيس وأن يعمل على أساسه. أدّت هذه التصريحات آنذاك الى تدهور سريع في قيمة العملة التركية، اذ اعتبرها الاقتصاديون والمستثمرون دليلاً إضافيا على تقييد استقلالية البنك المركزي، بالإضافة الى استمرار نهج الرئيس الذي يركّز على فرضية اقتصادية غير تقليدية تتمحور حول إعطاء النمو الاولوية وتخفيض الفائدة الى أدنى درجة ممكنة بغض النظر عن المعطيات الموضوعية التي قد تتطلّب رفعها.ب

تعيين البيرق في منصب وزير المالية والخزانة أثبت أنّ الرئيس ماضٍ في نظرته الاقتصادية الخاصة، وهو أمر غير إيجابي من وجهة نظر المعارضين الذين يرون انّه لم يعد للاقتصاديين والمستثمرين في الخارج أي شخصية اقتصادية وازنة يركنون إليها في تقييمهم لحقيقة الوضع الاقتصادي، فضلاً عن معرفة مدى نجاعة القرارات المتخذة بشأن الاقتصاد، الأمر الذي يهدد -وفق هؤلاء- بحرمان البلاد المزيد من الاستثمارات الخارجية المطلوبة، لاسيما في هذه المرحلة الحرجة.

في هذا السياق، يبرز نسق واضح في تقسيم الوزارات الى قسمين في العلاقة مع الرئيس. قسم يحظى بالأولوية وأشبه ما يكون بحكومة مصغّرة، وقد وضع فيه رئيس الجمهورية أناسا يعرفهم ويعرفونه تماماً، ويضم وزارة الخارجية، والداخلية، والعدل، والدفاع، والمالية والخزانة. وقسم آخر يضم الوزارات الأخرى، وقد وضع الرئيس على رأسها بيروقراطيين في الأغلب. باستثناء مصطفى فارانك، وزير الصناعة والتكنولوجيا الذي كان قد عمل سابقاً كمستشار لأردوغان في رئاسة الوزراء ولاحقاً كمستشار لرئيس للجمهورية، فإن الآخرين من عالم الاعمال او البيروقراطيين. على سبيل المثال، يمتلك وزير الصحة الجديد فخرالدين كوجا، مستشفى خاصا به، أما وزير السياحة والثقافة محمد أرسوي، فيمتلك هو الآخر واحدة من أكبر شركات السياحة في تركيا. وزير التعليم ضياء سلجوق يعدّ من الأمثلة القليلة على تعيين شخصية كانت تنتقد حتى الامس القريب سياسة الحكومة التعليمية في تركيا، ولذلك يتوقع منه كثيرون ان يجري تحولات كبيرة في قطاع التعليم في تركيا، وهو من القطاعات التي تعاني بشكل كبير ويحتاج الى تعديلات جذرية.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس