حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس

لن أعطي أحكاماً ومواعظاً في مجال الاقتصاد، لكن لدي معلومات سياسية تكفي لأدرك أن المسألة لا تتعلّق بالراهب برونسون فقط، لطالما كانت مجالات السياسة والاقتصاد مرتبطة ببعضها البعض، إذ يؤمن الاقتصاديون بأن السياسة وليدة الاقتصاد، بينما يعتقد السياسيون أن السياسة تحدّد مسار الاقتصاد، من المؤكد أن هناك تأثير متبادل بين كلا المجالين، لكن الأمر الأهم هو القدرة على رؤية أيهما أكثر تأثيراً.

يمكننا رؤية أن الاقتصاد يحمل أهمية أكبر في بعض الأوقات، على سبيل المثال في الوقت الراهن ازداد القلق الاقتصادي في إطار السياسة الامريكية الحالية، إذ تتجاهل الأخيرة استقرار وأمان النظام الدولي وتعطي الأولوية للتطور الاقتصادي، ولا تتردد في مواجهة وتهديد العديد من الدول في الوقت نفسه من أجل زيادة أرباحها الاقتصادية، كما يمكن الاعتراف بأن الاقتصاد قد أصبح عاملاً محدداً في فترة الـ 1990،  ولذلك كان يُزعم أن الدول القومية قد أصبحت ضعيفة بالنسبة لغيرها، إضافةً إلى ضيق مجال تأثير الدول في ظل تقدّم العالم نحو الليبرالية والعولمة، وتزداد فعاليات الشركات الخاصة والمؤسسات الدولية في الصدد ذاته، وبالتالي برزت بعض الأسماء الهامّة في تلك الفترة مثل "سوروس"، وبدأت أساليب إخضاع الدول من خلال التلاعب في الأموال والقضاء على من لا يخضع من هذه الدول بالظهور، كما كان العاملون السياسون في مجال الاقتصاد يؤمنون بأن السياسة لن تعود مثل السابق وأنها أصبحت مجرد وسيلة للحكم، وأن مجالات السلطة ازدادت ضيقاً نظراً إلى توسّع مجال الاقتصاد، ويُنظر إلى الدولة والأدوات السياسية على أنها أصبحت مجرد أدواة لتسهيل سير عمل الأسواق في ظل سيطرة المجال الاقتصادي، وتم قبول ذلك الواقع في تلك الفترة على أنه بنية دولية جديدة.

في الواقع لم يكن هناك أي بنية دولية جديدة، إنما كان النظام الدولي في تلك الفترة قد دخل في مرحلة تحوّل دوري، ويتم تحويل العالم إلى سوق واحد بسبب ضغط أمريكا على السياسة النيوليبرالية وإبراز قوتها أمام الدول الأخرى، وبدلاً من أن تسعى هذه الدول للبحث عن سياسات جديدة كانت تضطر للصمت والانسياق خلق شروط الاستقرار الدولي الناتج عن الهيمنة الأمريكية.

كانت أزمة 2009 الاقتصادية وحرب العراق نقطة تحوّل هامّة بالنسبة إلى أمريكا، إذ لم تعد الأخيرة ترغب في الدخول بحروب باهظة الثمن، بل وكانت تتخلّى عن قيادة النظام الدولي في تلك الفترة أيضاً، وأدى ذلك إلى انتشار سياسة الانعزال والحماية والقومية في العالم، واضطرت جميع دول العالم لاتباع السياسة ذاتها من سنة 2011.

الغريب في الوقت الراهن هو أن الصين هي أكثر من يرغب في استمرار السياسة المذكورة، لكن بطبيعة الحال هذه المسألة لا تؤثر على الصين وأمريكا فقط، بل اضطرت جميع دول العالم لمواجهة زعزعة جديدة على الصعيد الاقتصادي والسياسي، ومع زيادة أمريكا لنسبة الفوائد تقل الرغبة بالتعامل بالدولار الأمريكي، وذلك بدوره يؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة الأمريكية، لكن تزامناً مع ذلك تزداد المسألة زخماً في الدول التي تدخل في نزاع سياسية مع أمريكا، ويبدو أننا سنشهد أمثلة كثيرة على ذلك خلال الفترات المقبلة.

من المعروف أن أمريكا تقصد خلق نزاع سياسي مع العديد من الدول، وليس مع تركيا فقط، لكن بدأت الأزمة في تركيا بشكل مبكر لأنها أقرب من غيرها للأحداث الجديدة، ويمكن القول إن الأزمات ستستمر إلى أن تتخلّى أمريكا عن سياسة اللامبالاة والطمع المادّي التي تنتهجها في إطار السياسة العالمية، وبالتالي إن أزمة الراهب برونسون هي مثال واحد فقط عن هذه الأزمات، وليس سبباً رئيساً للأزمة التركية-الأمريكية أو ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي في تركيا، ولذلك يجب على تركيا أن تكون مستعدة لأزمات جديدة حتى ولو وافقت على إعادة الراهب لبلاده، لكن إن لم توافق على ذلك ستكون لديها الفرصة للمفاوضة على الأقل.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس