د. علي حسين باكير - القبس الألكتروني

في ١٧ سبتمبر الجاري، أعلن الجانبان التركي والروسي التوصّل الى اتفاق ثنائي بشأن إدلب، وذلك إبان الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى سوتشي ولقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين. وإثر ذلك، تمّ اعطاء نسخة من مذكرة التفاهم التي تمّ التوصل إليها الى الأمم المتحدّة وتتضمن عشرة بنود رئيسيّة تحكم التسوية ألغت أو ربما أجّلت العمل العسكري، الذي كان وشيكاً ضد المحافظة.
ولعل من أبرز النقاط التي شملها الاتفاق إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق ١٥ الى ٢٠ كلم بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة في إدلب، وسحب سلاح مختلف الأطراف داخل هذه المنطقة بحلول العاشر من أكتوبر القادم، والتخلص من جميع الجماعات الإرهابية من المنطقة المعزولة السلاح بحلول ١٥ أكتوبر القادم. كما يتضمن الاتفاق فتح طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب – اللاذقية) وإم 5 (حلب – حماة) بحلول نهاية عام 2018. ويؤكّد الجانبان مجدداً وفق الاتفاق على عزمهما مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره

وبالرغم من انّ الاتفاق نجح في تجنيب المدنيين في إدلب مصيراً مأساوياً، الا انّ ذلك لا يعني انّه أزال كل التحديات التي كانت مطروحة بخصوص مصير المحافظة وكذلك الامر فيما يتعلق بالجماعات المصنفة إرهابية، وإنما سيكون لدى الجانبين المزيد من الوقت لحلّ المشاكل المتعلقة بهذه النقاط بطرق غير عسكرية. وان كان لهذا الأمر من دلالة، فهو انّ موسكو فضّلت في نهاية المطاف الحفاظ على التعاون والتنسيق مع الجانب التركي نظراً لحاجتها الملحة الى دفع العملية السياسية قدماً الى الامام من جهة، ولأنّ لديها أولويات أخرى تتعلّق أيضاً بالتواجد الأميركي في شرق البلاد، وهو امر قد يجمع الطرفين التركي والروسي وان كان لكل منهما نظرته الخاصة إزاء الخطر المتمثّل بالتواجد الأميركي هناك.

أمّا الدلالة الأخرى التي سلّط هذا الاتفاق الضوء عليها مجدداً، فهي الدور المفترض لنظام الأسد. إذ على الرغم من أنّ النظام السوري كان قد أعلن عن ترحيبه بهذا الاتفاق اول من أمس، إلاّ انّه من الواضح أن ليس له دور فيه، بدليل انّ الاتفاق ينص على ان المنطقة العازلة ستضم أراضي من المفترض انّها تحت سيطرة النظام، كما يطالب كذلك بابعاد المسلحين التابعين للنظام من المنطقة، وهذا بحد ذاته مؤشّر على أنّ موسكو هي التي تقرّر عن الأسد في مثل هذه المواضيع.

وفيما كان لافتاً ان يتم الاتفاق بين تركيا وروسيا في سوتشي وليس في طهران، حيث التقى الزعيمان قبل حوالي عشرة أيام فقط، لم تُذكَر إيران سوى مرّة واحدة في الاتفاق وفي فقرة تشير الى اتخاذ إجراءات فاعلة لضمان إقرار نظام مستدام لوقف إطلاق النار داخل منطقة وقف التصعيد في إدلب. وفي ذلك محاولة ربما لتحييد أي محاولات إيرانية لتخريب الاتفاق ولوضع طهران كذلك أمام مسؤولياتها فيما يتعلق بهذا الشق بالتحديد.

ويمكن القول الان انّه قد تمّ تجنيب ملايين المدنيين الأسوأ، لكن الحفاظ على هذا الأمر لن يكون سهلاً، خاصّة انّ الاتفاق يضع موقف بعض الجماعات المصنّفة إرهابية في إدلب تحت الاختبار أيضاً، فان هي رفضت تسليم أسلحتها أو الانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح بحلول العاشر والخامس عشر من الشهر القادم، فستكون قد جعلت من نفسها هدفاً مشروعاً لكل من تركيا وروسيا، كما ستكون قد قوّضت من فعالية الموقف التركي أيضاً في مواجهة مطالب روسيا وإيران ونظام الأسد باستخدام القوّة العسكرية للسيطرة على إدلب، وهو السيناريو الذي يأمل الجانب التركي في أن يتفادى حصوله في ذلك الوقت.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس