هشام منور - خاص ترك برس

تثير العلاقات التركية الروسية دهشة وحفيظة كثير من البلدان الغربية التي ترى في هذا التحالف تهديداً لمصالحها في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما أن كلاً من تركيا وروسيا انتقلتا من مرحلة الجفاء والخصومة إلى التعاون في كثير من الملفات الاقتصادية والسياسية.

لم يقتصر التعاون التركي الروسي على الجانب السياسي فحسب فيما يخص الأزمة السورية، إنما شمل أيضا الجانبين الاقتصادي والعسكري، إذ تشهد هذه العلاقات تنسيقا ونموا كبيرا. عاشت مدينة إسطنبول مؤخراً على وقع لقاء يكتسي أهمية كبرى بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، بمناسبة إنهاء الجزء البحري من مشروع خط أنابيب الغاز "السيل التركي"، الذي يتضمن بناء خطين رئيسيين لأنابيب نقل الغاز، تصل طاقة كل منهما إلى 15.75 مليار متر مكعب. الخط الأول مخصص لتوريد الغاز مباشرة إلى تركيا، أما الآخر فمخصص لتوريد الغاز إلى الدول الأوروبية عبر الأراضي التركية.

وبمجرد الانتهاء من المشروع بالكامل، سيربط خط الأنابيب بين روسيا وتركيا عبر البحر الأسود وصولا إلى الساحل التركي في منطقة تبعد نحو 100 كيلومتر غرب اسطنبول. وتعد تركيا واحدة من أكبر عملاء الغاز الروسي، حيث تأمن روسيا 55 % من احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي. وينبغي أن يكون هذا المشروع عنصرا هاما في أمن الطاقة في تركيا وفي كل أوروبا.

الجانب التركي يسعى لأن يكون مركزا لنقل الغاز من آسيا الوسطى وروسيا باتجاه القارة الأوروبية. إذ يعول كلا الجانبين على هذا المشروع بشكل كبير. وترغب روسيا أن تعرض على أوروبا خطوطا بديلة عن خطوط ترانزيت الغاز الموجودة والعاملة عبر أوكرانيا، والتي عانت في السنوات الأخيرة  من مشكلات كبيرة. تركيا تريد الاستفادة من روسيا ليس اقتصاديا فحسب، وإنما سياسيا كذلك، حيث ازداد دور روسيا مؤخرا في الشرق الأوسط، وباتت موسكو لاعبا مهما في سورية.

تشهد العلاقات الروسية التركية زيادة في معدل التبادل التجاري، حيث ارتفع هذا التبادل خلال 7 أشهر من العام الجاري بنسبة 34%، ليتجاوز 15 مليار دولار، بحسب مانقلت وسائل الإعلام الروسية. لا تراهن تركيا في موضوع الغاز على الجانب الروسي، إضافة إلى مشروع الطاقة النووية. والتقارب الروسي التركي يرتبط بمسار العلاقات التي تديرها تركيا الآن مع العديد من اللاعبين الإقليمين والدوليين، مثل علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة.

واقع الحال أن التحالف الروسي التركي الذي نشهده يبدو للوهلة الأولى وكأنه تحالف الاضطرار، نظرا لوجود مصالح مشتركة بين البلدين، فلو عدنا بالزمن إلى الخلف، فإننا سوف نشهد في التاريخ حروبا قاسية بين الطرفين استمرت لقرون. لكن تسارع وتيرة التطور وتعزيز بين الطرفين، يشير إلى تحوله إلى تحالف استراتيجي بات الآخرون يدركون حجمه وثقله على الملفات السياسية المختلفة.

يرى البعض أن حدود التعاون الروسي التركي القائم حاليا مرتبط بعلاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فمسار العلاقات التركية الأوروبية من جهة، والعلاقات التركية الأمريكية من جهة أخرى، هي التي ستحدد  بشكل أو بآخر حجم التبادل أو التقارب في العلاقات التركية الروسية، ولن تفرط أنقرة في مصالحها التجارية مع الاتحاد الأوروبي. لكن هذا الكلام قد لا يبدو دقيقاً لجهة انشغال كل من واشنطن وبروكسل بأزماتهما الداخلية، ومعاناة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من مشاكل بنيوية قد تكون تركيا تحديداً هي المخرج أو طوق النجاة لهما في حال قررا الخروج منها، نظراً لامتلاك أنقرة أوراقاً سياسية واقتصادية كثيرة. وتحاول تركيا تحاول أن تستغل موقعها الجيوسياسي وتأثيرها في قضايا المنطقة بشكل كبير من أجل جني أكبر قدر ممكن من  المكاسب من الجانبين الروسي والأمريكي، وهو ما شهدناه خلال عمليتي "غصن الزيتون" و"درع الفرات"، وما قد نشهده قريباً في عملية شرق الفرات التي أزفت ساعة انطلاقها.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس