د. باسل الحاج جاسم - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

في الأشهر القليلة الماضية، لوحظت تغييرات طفيفة في إيقاع المشهد العسكري في سوريا بالتوازي مع الهدوء وانخفاض وتيرة العمل العسكري.

لكن الأمر الأكثر أهمية كان المحادثات الروسية الإسرائيلية التي طلبت فيها إسرائيل طرد الميليشيات الإيرانية من الحدود السورية. في ذلك الوقت ، قال وزير الخارجية الروسي: "ينبغي للجيش السوري وحده أن يحمي جنوب البلاد"، وكأنه كان يوجه حديثه لإيران التي دعمت النظام السوري لسنوات إلى جانب روسيا، أن عليها أن تترك الجنوب. وبعد ذلك مباشرة، ظهرت أنباء عن اتفاق بين إسرائيل وروسيا تنسحب بموجبه إيران من جنوب سوريا وتترك السيطرة عليها لنظام بشار الأسد.

وفي مقابلة مع وكالة تاس للأنباء، أكد السفير الإسرائيلي في موسكو ترحيب إسرائيل بموقف روسيا من الوجود العسكري الإيراني على الحدود الإسرائيلية السورية. وأشار إلى أن إسرائيل وروسيا منخرطتان في مناقشات مكثفة حول هذه القضية، مؤكدا أن وجود القوات الإيرانية في المنطقة "يستهدف إسرائيل".

يعتقد كثيرون أن العلاقة بين روسيا وإيران قد تتطور إلى ما يمكن تسميته بالتحالف. ولكن التحليل المفصل يكشف أن ذلك غير دقيق، إذ تحاول روسيا وإيران إخفاء خلافاتهما قدر الإمكان، وإنْ برزت بعض الخلافات بينهما من حين لآخر.

بدأت جولة جديدة من المواجهة مع إيران في أيلول/ سبتمبر 2015، عندما قررت روسيا شن عملية عسكرية في سوريا. فعلى الرغم من أن الأسد حليف لإيران، تختلف وجهات النظر في موسكو وطهران حول ترتيبات ما بعد الحرب في سوريا. كما أن الوجود العسكري الروسي في سوريا أبعد إيران إلى الصف الخلفي.

وخلافا لتوقعات الجانب الروسي، لم تشتر إيران طائرات روسية منذ رفع العقوبات المفروضة على إيران، مفضلة شراء طائرات إيرباص الأوروبية في صفقة بقيمة 25 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، تضررت روسيا بشدة من رغبة إيران في تحقيق زيادة كبيرة في صادرات النفط بعد رفع العقوبات.

سياسة الغاز

تلقت روسيا طعنة من إيران قبل نحو عامين، عندما أعلن  الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال زيارة لتركيا أن إيران مستعدة لأن تصبح الضامن لأمن الطاقة في تركيا. يعتقد كثير من الخبراء أن هذا التصريح كان موجها إلى موسكو، وليس إلى أنقرة، وأن إيران كانت مستعدة لضرب سوق الغاز الروسي. إن مجرد انعطافة طهران نحو تركيا يمكن أن تفهم على أنها طريقة لإظهار أن إيران قادرة على أن تحل محل الغاز الروسي في السوق التركية. وهذا من شأنه أن يحرم روسيا من التدفقات المالية الضخمة، وأن تفقد موسكو الأداة الوحيدة للضغط على تركيا التي تعد ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي بعد ألمانيا.

والواقع أن إيران لم تكن  حليفًا مقربًا من موسكو، ولم يكن تعاون البلدين لدعم النظام في سوريا سوى لحماية مصالحهما في ذلك البلد. أما وقد تحقق ذلك تقريباً بالنسبة لموسكو، فيبدو أن روسيا تحاول الانفصال عن إيران.

ليس سراً أن إيران منافس إقليمي لروسيا، فضلاً عن كونها هدفاً رئيسيا لواشنطن وتل أبيب. وتعلم موسكو جيداً أن هذا التوتر سوف يتصاعد ما بقيت إيران في سوريا، وهو ما يعد تهديدًا كبيرًا للمصالح الروسية.

وعلاوة على ذلك، لا يمكن لأحد أن يتجاهل موقف كثير من الدول الكبرى والدول الإقليمية التي ترفض النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة، وهو ما يضع روسيا في موقف لا تحسد عليه؛ لأن لديها مخاوف كبيرة إزاء علاقاتها السياسية والاقتصادية القوية مع تلك البلدان التي يضايقها التقارب الروسي - الإيراني.

إن هجمات إسرائيل المتكررة على المواقع الإيرانية داخل الأراضي السورية، بالإضافة إلى ضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إيران، يوثق روابط إيران مع روسيا، وهو ما يجعل موسكو في موقف أقوى مما كانت عليه في المرحلة السابقة في مواجهة طهران في سوريا.

بالنسبة إلى تركيا، قد تبدو إيران حليفة في سوريا من ناحية، لكنها في الواقع منافس إقليمي من ناحية أخرى. وليس سرا أن أنقرة منزعجة من سياسات طهران التوسعية؛ ولذلك فإن أي تقييد لدور إيران في سوريا هو في صالح تركيا.

لا يمكن للمرء أن يتجاهل ملاحظات كثيرمن الخبراء بأن دعوة إيران للمشاركة في محادثات أستانا كانت محاولة من أنقرة وموسكو لدفع طهران للوفاء بالتزاماتها، وإلا سيكون من الصعب السيطرة على ميليشياتها .

في السنوات القليلة الماضية، انعكس الخلاف -الذي لم يصل بعد إلى مستوى الأزمة- بين روسيا وإيران في سوريا في ثلاثة مواقف: الأولى في بداية التدخل الروسي المباشر في سوريا منذ عامين الذي قاد إيران إلى التراجع إلى الصف الخلفي كحليف صامت للنظام، بينما أخذت موسكو زمام المبادرة. بعد أن أخفقت إيران في أن يحقق نظام الأسد النصر طيلة سنوات تدخلها.

حدث الخلاف الثاني بين موسكو وطهران بعد الاتفاق بين تركيا وروسيا على إخلاء المدنيين من المناطق الشرقية من حلب الذي تم في نهاية عام 2016؛ لأن إيران رفضت أي اتفاق في هذه المنطقة وأصرت على أنه لا يمكن لأحد أن يغادر لأنها أرادت تطبيق الحل العسكري في حلب. وتجدر الإشارة هنا إلى أن اتفاق حلب (التركي- الروسي) سواء اتفقنا أواختلفنا عليه هو الاتفاق الوحيد خلال سنوات الحرب السورية الست الذي نجح وظل صامدا.

اتضح الخلاف الثالث أخيرا خلال بداية مفاوضات أستانا، إذ أرادت إيران الانتقام ودفع واشنطن بعيدًا عن المحادثات، في حين دعت روسيا إلى مشاركة واشنطن التي كانت مجرد مراقب.

عن الكاتب

د. باسل الحاج جاسم

كاتب وباحث في الشؤون التركية الروسية، ومستشار سياسي، ومؤلف كتاب: كازاخستان والآستانة السورية "طموحات نمر آسيوي جديد وامتحان موسكو"


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس