ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

على الرغم من أنني ضيف على هذا البلد، التي فتحت أبوابها لكل حر في هذا العالم ليتخذ من أرضها مأوى، بعد أن ضاقت الأرض بالأحرار بفعل الثورات المضادة التي تديرها أمريكا أوروبا بالمال والفاعل الخليجي، وهو ما يجعل البعض يرى أن لا حق لي في التدخل في شأنه الداخلي المتمثل في الانتخابات المحلية، والتجاذبات الدائرة حولها من حديث عن تزوير أو تدخلات خارجية، إلا أنني كمراقب للشأن التركي الذي يمس بشكل كبير الوضع الإقليمي على العموم، والذي تمثل بلادي جزء منه، ويمس كذلك وبشكل خاص وضع الأحرار الذين اتخذوا من الأراضي التركية ملاذا من قمع الأنظمة القمعية والمدعومة غربيا.

لذا فإن هذا المقال هو رصد لشواهد رصدتها منذ فترة، لم أشأ الحديث عنها في حينها حتى لا تثير تلك الشواهد قلق الإخوة في تركيا، وحتى لا تؤخذ بشكل يستطيع به الماهرون في الصيد بالماء العكر تصيد هذا الموقف والرؤية وحسابها علي، في زمن احترف فيه الوشاة ألف ألف طريقة للإيقاع بالمخلصين وشيطنتهم، فجميل هذه البلد تجعلنا نقدر ما تقدمه لنا في وقت تتخلى فيها كثير من البلدان عن مبادئها من أجل مصالح وقتية زائلة.

منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في الخامس عشر من تموز، ونحن نحذر عبر ما نملك من أدوات، من انقلابات ثانية وثالثة على تركيا، ونؤكد أن من حاول الانقلاب، لن يسكت، وسيحاول مرارا، فمنذ ديسمبر 2016 حذرنا من موجات أخرى ستضرب تركيا وبأشكال مختلفة، يستخدم فيها جماعات مختلفة، وإن كان المخطط والممول واحد، وبدأت بالفعل تلك الموجات بتفجير محيط ملعب نادي بشكتاش، لتتوالى العمليات الإرهابية ويزيد معدلها بعد الانقلاب بما يقارب عملية تفجير كل شهر، ينفذها ذراعين مهمين، وكلاهما باع نفسه للشيطان، حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة، فخلفت عملياتهما مئات القتلى والمصابين.
أما الذراع الثاني المنفذ لمحالات زعزعة استقرار تركيا وصولا تقويض النظام كان الاقتصاد الذي يتأثر بالأمن كما يتأثر بسحب الاستثمارات والمدخرات الدولارية بشكل مفاجئ ليهتز الاقتصاد، وهو ما حاولت الجهات الهادفة لإسقاط تركيا فعله في أوقات متفرقة وبخطة محكمة.

ولما كانت مواقف تركيا المتسقة مع المبادئ والراغب في نفس الوقت في إيجاد مكانا لها وسط الكبار مترفعة عن لعب دور التابع، الذي يجيده البعض في الجنوب، فإن حراكها هذا لم يعجب الغرب المتعجرف وذيوله الطامحين دوما في رضا أسيادهم في الغرب، المستعذبين حياة العبودية، فاستخدم الغرب أموال البترول للإنفاق على مخططات مخابراتية تهدف لإسقاط النظام الدستوري في تركيا، واستطاع أن يجمع الحاقدين في الداخل والخارج على منضدة واحدة ليتفقوا على هدف واحد هو إسقاط هذا النظام.

لقد كان المال الخليجي حاضرا في محاولات الضغط الاقتصادي على تركيا، في أشكال عدة ومنها الضغط الإعلامي على السائح الخليجي لمقاطعة تركيا، ولا ترغب الإدارة التركية في مواجهة مباشرة في هذا السياق، حفاظا على خط الرجعة، فالمواقف تتبدل، وكذلك تتبدل الأنظمة، وتبقى الشعوب، وهو ما ترغب تركيا على الحفاظ عليه.
إلا أن تلك الأنظمة لم تحفظ لذلك الخط هامشا ولا دليلا، والناظر إلى تصريحات إعلام تلك الأنظمة، يرى بجلاء أن أمرا ما دبر لتركيا في الانتخابات الأخيرة، فتصريحات الساسة الأمريكيين ومطالباتهم باعتراف تركيا بالنتائج، حتى قبل المدد الدستورية، وما صاحبه من ضجيج إعلامي وإعلاني من حزب الشعب الجمهوري ومرشحه عن إسطنبول بأنه الفائز، يوقن أن المهاجم يريد أن يجمع غنيمته، كما يريد أن يحرج النظام ويثبت عليه الهزيمة، وهو أمر مستغرب في دولة تدعي أنها دولة قانون.

كما أن الإعلام الإماراتي عنون ممثلا بموقع سكاي نيوز عربية تقريرا له صبيحة الانتخابات المحلية وتحديدا الساعة السادسة صباحا (الأتراك يصوتون في انتخابات "حياة أو موت" بالنسبة لأردوغان)وفي تفاصيل التقرير يقول كاتبه، الذي يملى من ضابط المخابرات الإماراتي، ما نصه: (ومن شأن الهزيمة في أنقرة أو إسطنبول أن تنهي حكما استمر 25 عاما لحزب العدالة والتنمية أو أسلافه في المدينتين وأن توجه ضربة رمزية للزعيم التركي).

هذا الخطاب الإعلامي الذي استمر حتى هذه الساعة يؤكد انخراط الإمارات في عملية العبث بأمن تركيا بأوامر من الغرب الحاقد الذي يريد أن يضرب النظام في تركيا وإدارته "المارقة" والتي لا ترضى أن تنصاع لأوامر أمريكا.

وقس على ذلك سحب الأرصدة الدولارية، مما تسبب في ارتفاع سعر صرفه، قبيل الانتخابات ليزيد من غضب الشارع، ثم انخفاضه بعد إعلان النتيجة المرجوة من قبل المخططين، للتبشير بعهد جديد على الشعب الذي يدعمه، وهو الخطاب الذي تبنته المعارضة خلال حملتها الانتخابية، وهو ما يظهر أيضا التنسيق والتنفيذ للخطة الموضوعة، لكن الرهان الآن على الشعب الواعي والمدرك لأبعاد الصراع وأطرافه، وهو الدرس الذي يجب أن تستفيد منه شعوبنا، وهو أيضا الدافع لكتابة هذا المقال.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس